للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على صغارهم أو الذين يرتجون فضلا ورِفدًا ونوالًا من أصحاب السلطة والنفوذ بل تعدّاه إلى بعض كباراتهم، بل إن المقريزي ذاته - على جلالة قدره في التاريخ - لم يسلم من هذا الاتجاه الذي أُريد به - عند غيره بطبيعة الحال - التقرّب إلى ذوى السلطان والحكم، فنَسبَ الأَكرادَ إلى أصلٍ عربيّ، وما كان لرجل كالمقريزي - وقد استقامت له أدوات البحث والتقصي التاريخي ولو بمفهوم عصره، والمعرفةُ الدقيقة بالأَنساب العربية - أن يزلّ هذا الزلل وهو أول المدركين لخطئه وعدم صموده أمام النقد التاريخي (١).

ولو كان ابن حجر عربيَّ الأصل تمامًا كما يذهب السيوطي لوجدنا ورود هذه الإشارة في كتاب "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر" الذي ترجم فيه السخاوى لأستاذه ترجمة مطولة رائعة، قيّد فيها كل شاردة وواردة في حياة شيخه، لكن الواقع أننا لا نصادف مثل هذا الرأي في "الجواهر"، ولا شك أن السخاوى كان من أدرى رجال عصره ومؤرخيه - إن لم يكن أدراهم جميعا - بسيرة أُستاذه، وكان تعلُّقه به حاملًا إياه على ملازمته في غدواته وروحاته مهيّأً له الفرصة - أكثر من مرة - في رفع كل حجاب بينه وبينه، حتى إن ابن حجر - على جلالة قدره ورفعة مكانته وسَعيِ الجميع في خدمته - وقف يخدم بنفسه يوم عرَّس السخاوي (٢)، وكان هذا للسخاوى شرفًا لا يطمع فيه طامع، ومن ثم فإنه كان لنا أن نتوقَّع من السخاوى وهذه وشيجته بشيخه - أن يشير إلى أَصل ابن حجر الكناني العربي، هذا فضلًا عن أن ابن حجر نفسه لم يورِد في كلامه - حين سأله السخاوى عن أجداده وأصله أيةَ معلومات وافية، ولم يستطع أن يتعرّف على أكثر من ستة أَجيال منها (٣)، وعلى هذا الأساس يصحّ لنا أن نتساءل: "أيكون في قدرته - وهو عاجزٌ عن معرفة أجداده القريبين - أن يعرف عن أسلافه الذين تباعد بينه وبينهم قرون"؟.

إذن فما هو أصل ابن حجر؟


(١) راجع السلوك للمقريزي، (نشر زيادة) ص ٣ وحاشية رقم ١، غير أنه من الملحوظ أن المقريزي أنكر هذه النسبة في كتابه المواعظ والاعتبار، وقد يثير تناقضه في مرجعين كبيرين - ارتبطت بهما شهرته كمؤرخ - إلى مشكلة نسبة المواعظ إلى الأوحدي المؤرخ.
(٢) راجع زياده: المؤرخون في مصر، ص ٤١.
(٣) السخاوى: الجواهر والدرر، ورقة ١٨ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>