للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالله، وكان قد عهد قبله بالخلافة لولده الآخر المعتمد على الله أحمد، ثم خلعه وولى هذا، واستمر ذلك مسجونًا إلى أن مات.

ولما هرب الأشرف شعبان من عقبة أيلة سأل طشتمر المتوكل أن يبايع له بالسلطنة فامتنع وقال: "بل اختاروا من شئْتُم وأنا أوليه"، فقدم معهم وأقيم المنصور بن علي بن الأشرف، وقام بتدبير المُلك "أينبك"، فخلع المتوكل من الخلافة وأقام قريبه زكريا ابن إبراهيم في ثالث عشرى صفر سنة تسع وسبعين، ثم أُعيد بعد شهر إلى أن تسلطن برقوق، فحسّن له جماعة من أهل الدولة وغيرهم طلب المُلك، فكاتب الأمراء والعربان مِصْرًا وشامًا وعراقًا، وبثَّ الدعاة في الآفاق، فنمّ عليهم صلاح الدين بن تنكز في رجب سنة خمس وثمانين [وسبعمائة] وأخبره عن خاله طنبغا أن الخليفة اتفق مع قرط الكاشف أن الظاهر إذا ركب إلى الميدان أن يقبض عليه، ووافقهم إبراهيم بن قطلقتمر أمير جندار، فاستدعى الخليفة في الحال وقيده وسجنه في برج القلعة، وقبض على إبراهيم وقرط، ووُسِّط قرط وحُبس إبراهيم. وأقام عمر في الخلافة ولُقِّب "الواثق"، ثم مات عمر وأُقيم أخوه زكريا ولُقِّب "المستعصم"، واستمر المتوكل في الحبس إلى أن خرج بلبغا الناصري فأفْرَج برقوق عن الخليفة في صفر سنة إحدى وتسعين لأنَّه بلغه أن النَّاصري يشَنِّع عليه كونه سجَنَ الخليفة، فأمر بالتضييق عليه ومنع الناس من الدخول إليه؛ فلما قوى أمر الناصري أفرج عنه في ربيع الأول وأحضَره عنده وتحادث معه ساعةً وأعطاه مالًا وثيابًا، ثم أحضره في أول يوم من جمادى الأُولى وخلع عليه وأركبه حجزة شهباء، وأركبه من باب النحاس وأمره بالانصراف إلى داره، وركب معه الأُمراءُ والقضاة ونُشرت على رأسه الأعلام السود، وفرح الناس به فرحًا عظيما ولم يبْقَ أحدٌ حتى خرج لرؤيته فكان يومًا مشهودًا، فلما قدم الناصري وغلب على المملكة وزالت دولة برقوق قال يلبغا الناصرى للخليفة في محضر من الأُمراء: "يا مولاي أمير المؤمنين، ما ضرَبْتُ بسيفى هذا إلَّا في نصرتك" وبالغ في تعظيمه وتبجيله، فأشار عليه بإعادة حاجي بن شعبان إلى المملكة، ثم أخرج منطاشُ الخليفة والقضاة معه لمّا