للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بأبهة السلطنة وعدى الفرات من ألبيرة فراسله عثمان بن طورغلى (١) وهو المعروف بقرايلك يسأله الصلح ويخضع له فلم يُصْغِ إليه بل قال: "لا أرجع عنه إلا أن جاء قَبَّل رجْلي في الركاب، فإن شئْتُ عفوت عنه وإن شئت قتلته"، فرجع رسله إليه بذلك فاستعد للحصار؛ وأشار على جكم أكثرُ مَن معه من الأمراء أن يقْبَل هدايا قرايلك ويرضى عنه بالطاعة ويحقن الدماء ويرجع، فلم يُضْغِ لذلك.

ثم وصل إليه الملك الظاهر عيسى صاحب ماردين وحاجبه فيّاض - وكانا شيخين كبيرين قد طالت مدتهما في مملكة ماردين - فأطاع جكم ووصل إليه بعسكره فقوى عزمه على حرب قرايلك، واستند إلى ماشُهِر عن المذكورين من الظلم والإفساد، فلما قربوا من آمد حطُّوا (٢) على التركمان واشتبك القتال، فقُتل ولد قرايلك في المعركة فانكسر التركمان، فتَبع جكم آثارهم فوقعَتْ فرسه في حُفْرةٍ من الحفر التي جرت عادتُهم بإعدادها للمكيدة، وقيل بل جاءهُ حجر رماه تركماني من مقلاع فأدماه فوقع (٣) من فرسه وتكاثروا عليه وذبحوه وانهزم عسكره، فلما فُقِد وتحقق قرايلك قَتْلَ جكم أمر بالتفتيش عليه بين القتلى فوجدوه فلم يعرفوه إلَّا بترسه وبحنَّاء رجليه، وكان لا يفارق ذلك.

وانهزم عسكر جكم هزيمةً شنيعةً ونهبهم التركمان واستلبوا من الجمال والبغال والخيل والأمتعة ما لا يوصف كثرة.

وقُتل في الوقعة ناصر الدين بن شهرى الحاجب - كان بحلب - وقُتل نائب عينتاب الأربلى وصاحب ماردين وحاجبه، وهرب تمربغا المشطوب فاختفى، وكانت الوقعة في خامس عشر ذي القعدة، ووصل خبرها إلى الشام في ذى الحجة ووصل إلى مصر في أواخرها.


(١) انظر السخاوى: الضوء اللامع ٥/ ٤٧٤.
(٢) في ك، هـ "حطموا".
(٣) أي جكم.