٣٨ - يلبغا بن عبد الله السالمي الظاهرى، كان من مماليك الظاهر ثم تمهّر وصيّره خاصكيًّا، وكان مِمَّن قام له بعد القبض عليه في آخر صفر فحمد له ذلك، ثم ولاَّه النظر على خانقاه سعيد السعداء سنة سبع وتسعين ووعده بالإمرة ولم يعجْلها له، فلما كان في صفر سنة ثماني مائة أَعطاه إِمرة عشرة وقرّره في نظر الشيخونيّة في شعبان، وكان يترقَّب أَن يعمل نيابة السلطنة فلم يتم ذلك، ثم جعله الظاهر أَحد الأَوصياء فقام بتحليف مماليك السلطان لولده النَّاصر، وتنقلَّت به الأَحوال بعد ذلك فعمل الأُستادارية الكبرى والإشارة وغير ذلك على ما تقدّم ذكره مفصّلا في الحوادث، ثم في الآخر ثار الشرُ بينه وبين جمال الدين فعمل عليه حتى سجنه في الإسكندرية.
وكان طول عمره يلازم الاشتغال بالعلم ولم يُفتح عليه بشيء منه سوى أَنه كان يصوم يومًا بعد يوم ويكثر التلاوة وقيام الليل والذكر والصّدقة، وكان لجوجًا مصَمِّما على الأَمر الذي يريده ولوْ كان فيه هلاكه، ويستبدّ برأْيه غالبًا، وكان سريع الانفعال مع ذلك.
وكان يحب العلماءَ والفضلاءَ، وقد لازم سماع الحديث معنا مدّةً، وكتب بخطِّه الطباق، وأَقْدَمَ علاءَ الدين بن أَبي المجد من دمشق حتى سمع الناس عليه "صحيح البخاري" مرارًا، وكان يبالغ في حبّ ابن العربي وغيره من أَهل الطريقة ولا يؤذي من ينكر عليه.
مات مخنوقًا وهو صائمٌ في شهر رمضان بعد صلاةِ عصرِ يومِ الجمعة، وما عاش جمال الدين بعده إلَّا دون عشرة أَشهر.
ومن محاسنه في مباشراته أَنه قَرّر ما يؤْخذ في ديوان المرتجع على كل مُقَدَّم: خمسين أَلفا، وعلى الطبلخاناه: عشرين أَلفًا، وعلى أُمراء العشرة: خمسة آلاف، فاستمرّت إلى آخر وقت، وكان المباشرون في دواوين الأُمراء -قبل هذا- إذا قُبض على الأَمير أَو مات يلقون شدّةً من جَوْر المتحدث على المرتجع، فلما تقرّر هذا كتب به أَلواحًا ونقشها على باب القصر، وهي موجودة إلى الآن.