بقلم الأستاذ الدكتور/عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:
فلما كان علم الحديث من أصول الفروض وجب الاعتناء به، والاهتمام بضبطه وحفظه، وكان أن يسر الله سبحانه وتعالى له العلماء الثقات الذين أحاطوا به فتناقلوه كابرا عن كابر، وأوصله كما سمعه أول إلى آخر، وحبب الله تعالى لهم بحكمته حفظ دينه وحراسة شريعته، فمازال هذا العلم من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أشرف العلوم وأجلها لدى الصحابة والتابعين، وتابعي التابعين، خلفا بعد سلف لا يشرف بينهم أحد بعد حفظ كتاب الله تعالى، إلا بقدر ما يحفظ منه، ولا يعظم في النفوس إلا بقدر ما يُسمع من الحديث عنه، فتوفرت الرغبات فيه، وانبعثت العزائم إلى تحصيله، وكان اعتمادهم أولا على الحفظ والضبط في القلوب غير ملتفتين إلى ما يكتبونه محافظة على هذا العلم كحفظهم كتاب الله تعالى.
أولاً: أهمية تدوين السنة والداعي له:
لما انتشر الإسلام واتسعت البلاد، وتفرق الصحابة في الأقطار ومات معظمهم وقل الضبط، احتاج العلماء إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة؛ وذلك لحفظه ونشره.
ثانياً: أسباب تدوين القرآن في بداية الأمر دون السنة:
استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - الكتابة في تدوين ما ينزل من القرآن، واتخذ لذلك كتَّاباً من الصحابة، فكان القرآن يُكتب كله بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الرِّقاع والأضلاع والحجارة والسعف (أغصان النخيل)، وكانت الآية من القرآن تنزل على الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيأمر كاتب الوحي بكتابتها في موضع كذا من سورة كذا، واستمر الأمر على هذه الحال حتى وفاته - بأبي و وأمي - فلم يقبض صلوات الله وسلامه عليه إلا والقرآن محفوظ مكتوب لا ينقصه إلا الجمع في مصحف واحد.
أما السنة فلم يكن شأنها كذلك، حيث إنها لم تدون جميعها تدوينًا رسميًا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما دُون القرآن، ولم يأمر صلوات الله وسلامه عليه أصحابه بذلك.
وقد ذكر العلماء أسباباً عديدة لعدم تدوين السنة في العهد النبوي: منها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عاش بين أصحابه بعد البعثة ثلاثًا وعشرين سنة، فكان تدوين كل كلماته وأقواله وأفعاله وكتابتها فيه من العسر والمشقة الشيء الكثير، لما يحتاجه ذلك من تفرغ كثير من الصحابة لهذا العمل الجليل، ونحن نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا جميعا يحسنون الكتابة بل كان الكاتبون منهم أفراداً قلائل، وكان تركيز هؤلاء الكتبة من الصحابة على كتابة القرآن دون غيره من السنة حتى يؤدوه لمن بعدهم تامًا مضبوطًا لا يُنْقص منه حرف.
ومن الأسباب أيضاً الخوف من حدوث اللبس عند عامة المسلمين فيختلط القرآن بغيره من الحديث، وخصوصاً في تلك الفترة المبكرة التي لم يكتمل فيها نزول الوحي، وكان القرآن ينزل فيها مفرقاً حسب الوقائع والأحداث، إضافة إلى أن العرب كانوا أمة أمية، وكانوا يعتمدون على الذاكرة فيما يودون حفظه واستظهاره، ولذلك عُرفوا بقوة الذاكرة وسرعة الحفظ، وكان نزول القرآن مفرقاً على آيات وسور صغيرة أدعى للتفرغ لحفظه واستذكاره والاحتفاظ به في صدورهم، أما السنة فكانت كثيرة الوقائع متشعبة النواحي شاملة لأعمال الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقواله منذ بدء الرسالة إلى أن