للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حديثاً، وخصوصاً من دخل في الإسلام من أهل الآفاق، ولو أن السنة دونت ووزعت على الأمصار وتناولها الناس بالحفظ والدراسة لزاحمت القرآن، ولم يُؤمن أن تلتبس به على كثير منهم، ولم يكن في هذا الرأي تضييع للأحاديث فقد كان الناس لا يزالون بخير، ولا تزال ملكاتهم قوية وحوافظهم قادرة على حفظ السنن وأدائها أداءً أميناً، وقد تتابع الخلفاء على سنة عمر رضي الله عنه، فلم يعرف عنهم أنهم دونوا السنن أو أمروا الناس بذلك.

ثالثاً: الجهود المبذولة في تدوين السنة بعد عهد الخلفاء الراشدين:

وهكذا انقضى عصر الصحابة ولم يُدَوَّن من السنة إلا القليل، حتى جاء الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز فأمر بجمع الحديث لدواع اقتضت ذلك، بعد حفظ الأمة لكتاب ربها، وأمنها عليه أن يشتبه بغيره من السنن.

وفي بيان ذلك نقول: إن القرن الأول الهجري كاد أن ينتهي ولم يصدر أحد من الخلفاء أمره بجمع الحديث وتدوينه، بل تركوه موكولاً إلى حفظ العلماء والرواة وضبطهم، وبعض الكتابات الفردية، وكان مرور مثل هذا الزمن الطويل كفيلاً بتركيز القرآن وتثبيته في نفوس الناس، فقد أصبح يتلوه القاصي والداني، ويعرفه الخاص والعام، ولا يختلف فيه أحد أو يشك في شيء من آياته، كما كان مرور هذا الزمن الطويل أيضاً كفيلاً بأن يذهب بكثير من حملة الحديث من الصحابة والتابعين في الحروب والفتوحات، وأن يتفرقوا في الأمصار، مما هيأ لأهل الأهواء والبدع - الذين ظهروا في هذه الفترة - أن يزيدوا في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن يُدْخلوا فيه ما ليس منه مما يؤيد بدعتهم ويلبي انحرافهم، كما أن انتشار الإسلام وتوسع الدولة الإسلامية جعل العرب يختلطون بغيرهم من الأعاجم في البلدان المختلفة، مما نتج عنه قلة الضبط في نقل حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبب ضعف ملكة الحفظ عند الناس.

وفي العام التاسع والتسعين للهجرة تولى الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه خلافة المسلمين، فنظر إلى الأحوال والظروف التي تمر بها الأمة، فرأى أن عليه البدء بكتابة الحديث وتدوينه حفظا له من الضياع والتحريف، حيث أن المانع الذي كان يمنع تدوين الحديث قد زال، ومصلحة المسلمين باتت تستدعي جمع الحديث وتدوينه.

فكتب إلى عُمَّاله وولاته يأمرهم بذلك، حيث أرسل إلى أبي بكر ابن حزم - عامله وقاضيه على المدينة - قائلاً له: "انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبه، فإني خفت دروس العلم - يعني: اندراسه واختفائه - وذهاب العلماء"، وطلب منه أن يكتب ما عند عَمْرة بنت عبد الرحمن الأنصارية والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وكتب إلى علماء المسلمين في الأمصار المختلفة: "انظروا إلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجمعوه" .. وكان ممن كتب إليهم الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أحد الأئمة الأعلام، وعالم أهل الحجاز والشام المتوفى سنة (١٢٤ هـ)، حيث استجاب لطلب عمر بن عبد العزيز فجمع حديث أهل المدينة وقدمه له، فبعث عمر إلى كل أرض دفتراً من دفاتره، وكانت هذه هي المحاولة الأولى لجمع الحديث وتدوينه بشمول واستقصاء، وكان تدوين الإمام الزهري للسنة عبارة عن: جمع ما سمعه من أحاديث الصحابة من غير تبويب على أبواب العلم.

فأول من أمر بتدوين السنة هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -، فى نهاية القرن الأول الهجرى، وقد تولى الخلافة سنة ٩٩ هـ وتوفى سنة ١٠١ هـ.

وقد روى الإمام البخارى -رحمه الله- فى صحيحه تعليقاً، قال: وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى أَبِي

<<  <   >  >>