للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المؤلفات الصحيح وغيره، وإن كان الصحيح هو الغالب.

وقد اعتبر العلماء القرنَ الثالث الهجري، أزهى عصور السنة وأسعدها بالجمع والتدوين، ففيه دونت الكتب الستة التي اعتمدتها الأمة فيما بعد، وفيه ظهر أئمة الحديث وجهابذته، وفيه نشطت رحلة العلماء في طلب الحديث، ولذلك جعل كثير من أهل العلم هذا القرن الحدَّ الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين من نقاد الحديث.

وبانتهاء هذا القرن كاد أن ينتهي عصر الجمع والابتكار في التأليف، فقد اقتصر دور العلماء في القرون التالية على الاختصار والتهذيب والترتيب، والاستدراك والتعقيب، وانصب اهتمامهم على الكتب المدونة، وقلَّت بينهم الرواية الشفهية.

رابعاً: أنواع المصنفات التي عنيت بتدوين الحديث النبوي:

تحدث الحافظ بن حجر رحمه الله في: (هدي الساري مقدمة فتح الباري) (١)

عن نشأة التصنيف عند المحدثين فقال: "اعلم - علمني الله وإياك - أن آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن في عصر أصحابه وكبار من تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة، لأمرين:

أحدهما: أنهم كانوا في ابتداء الحال قد نهوا عن ذلك، كما ثبت في صحيح مسلم، خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن العظيم.

وثانيهما: لسعة حفظهم وسيلان أذهانهم، ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة، ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار، لما انتشر العلماء في الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار، فأول من جمع ذلك الربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما.

هذا، وقد نوع المحدثون تصانيفهم وتفننوا فيها، ومن أهم أنواع التصنيف عندهم الأنواع الآتية:

[١ - الكتب المصنفة على الأبواب الفقهية]

وطريقة هذا التصنيف أن تجمع الأحاديث ذات الموضوع الواحد إلى بعضها البعض تحت عنوان عام يجمعها، مثل: (كتاب الصلاة) (كتاب الزكاة) وهكذا، تم توزع الأحاديث على أبواب، يضم كل باب حديثا أو أحاديث في مسألة جزئية، ويوضع لهذا الباب عنوان يدل على موضوعه، مثل: (باب مفتاح الصلاة الطهور)، ويسمي المحدثون هذا العنوان: (ترجمة)، وأهل هذه الطريقة منهم من يتقيد بالصحيح كالشيخين، ومنهم من لا يتقيد بذلك كباقي الكتب الستة .. ويشمل هذا النوع من التصنيف كتب الجوامع والسنن والمصنفات والموطآت والمستدركات والمستخرجات.

والجوامع: جمع جامع، والجامع في اصطلاح المحدثين: هو كتاب الحديث المرتب على الأبواب، ويوجد فيه أحاديث في جميع موضوعات الدين وأبوابه، كالجامع الصحيح للإمام البخاري، والجامع للترمذي.

والسنن: هي الكتب التي تجمع أحاديث الأحكام المرفوعة مرتبة على الأبواب الفقهية، مثل السنن الأربعة، وسنن الشافعي والبيهقي والدارقطني والدارمي .. وكتب السنن لا تشتمل على غير


(١) قال الإمام الذهبي في السير في ترجمة الإمام ابن حزم بعد أن نقل قول شيخ الإسلام العز بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل "المحلى" لابن حزم، وكتاب "المغني" للشيخ موفق الدين. فقال الذهبي: قلت: صدق الشيخ عز الدين؛ وثالثهما: "السنن الكبير" للبيهقي، ورابعهما: "التمهيد" لابن عبد البر، فمن حصَّل هذه الدواوين، وكان من أذكياء المفتين، وأدمن المطالعة فيها فهو العالم حقّا. السير (١٨/ ١٩٣).
وإذا أضفنا لهذه الكتب الأربع الكتاب الخامس فتح الباري للحافظ ابن حجر لكان أولى. لما يحويه من علوم يحتاج لها كل مسلم.

وقال الإمام الذهبي رحمه الله وهو ينعي حال أهل العلم في زمانه ويدل على طريق الفلاح: وإنما شأن المحدث اليوم الاعتناء بالدواوين الستة، ومسند أحمد بن حنبل، وسنن البيهقي وضبط متونها وأسانيدها، ثم لا ينتفع بذلك حتى يتقي ربه ويدين بالحديث؛ فعلى علم الحديث وعلمائه ليبك من كان باكيًا؛ فقد عاد الإسلام المحصن غريبًا كما بدأ، فَلْيَسْعَ امرؤٌ في فكاك رقبته من النار، فلا حول ولا قوة إلا بالله. السير (١٣/ ٣٢٣).

<<  <   >  >>