للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَاذَانَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَعَاهُمَا إِلَى الْإِسْلَامِ، وَقَالَ: "ارْجِعَا عَنِّي يَوْمَكُمَا هَذَا حَتَّى تَأْتِيَانِي الْغَدَ فَأُخْبِرَكُمَا بِمَا أُرِيدُ"، فَجَاآهُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ لَهُمَا: "أَبْلِغَا صَاحِبَكُمَا أَنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّهُ كِسْرَى فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لِسَبْعِ سَاعَاتٍ مَضَتْ مِنْهَا - وَهِيَ لَيْلَةُ الثُّلاثَاءِ لِعَشْرِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سَبْعٍ - وَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَلَّطَ عَلَيْهِ ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ فَقَتَلَهُ"، فَرَجَعَا إِلَى بَاذَانَ بِذَلِكَ، فَأَسْلَمَ هو وَالْأَبْنَاءُ الَّذِينَ بِالْيَمَنِ؛ قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ اللَّخْمِيَّ - وَهو أَحَدُ السِّتَّةِ - إِلَى الْمُقَوْقَسِ صَاحِبِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، عَظِيمِ الْقِبْطِ، يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا، فَأَوْصَلَ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَهُ وَقَالَ لَهُ خَيْرًا، وَأَخَذَ الْكِتَابَ فَجَعَلَهُ فِي حُقٍّ مِنْ عَاجٍ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ، وَدَفَعَهُ إِلَى جَارِيَتِهِ، وَكَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ نَبِيًّا قَدْ بَقِيَ، وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالشَّامِ، وَقَدْ أَكْرَمْتُ رَسُولَكَ، وَبَعَثْتُ إِلَيْكَ بِجَارِيَتَيْنِ لَهُمَا مَكَانٌ عَظِيمٌ فِي الْقِبْطِ، وَقَدْ أَهْدَيْتُ لَكَ كِسْوَةً، وَبَغْلَةً تَرْكَبُهَا، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَلَمْ يُسْلِمْ، فَقَبِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَدِيَّتَهُ، وَأَخَذَ الْجَارِيَتَيْنِ، مَارِيَةَ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ

ابْنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأُخْتَهَا سِيرِينَ، وَبَغْلَةً بَيْضَاءَ، لَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ غَيْرُهَا، وَهِيَ: دُلْدُلٌ (١)؛ قَالَ حَاطِبٌ: كَانَ لِي مُكْرِمًا فِي الضِّيَافَةِ، وَقِلَّةِ اللُّبْثِ بِبَابِهِ، مَا أَقَمْتُ عِنْدَهُ إِلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ضَنَّ الْخَبِيثُ بِمُلْكِهِ، وَلَا بَقَاءَ لِمُلْكِهِ"؛ قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ الأَسَدِيَّ - وَهو أَحَدُ السِّتَّةِ - إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا؛ قَالَ شُجَاعٌ: فَأَتَيْتُ إِلَيْهِ وَهو بِغَوْطَةِ دِمَشْقَ، وَهو مَشْغُولٌ بِتَهْيِئَةِ الْإِنْزَالِ وَالْإلْطَافِ لِقَيْصَرَ وَهو جَاءٍ مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ، فَأَقَمْتُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَيْنِ أَوثَلَاثةً، فَقُلْتُ لِحَاجِبِهِ: إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ، فَقَالَ: لَا تَصِلُّ إِلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَجَعَلَ حَاجِبُهُ - وَكَانَ رُومِيًّا - يَسْأَلُنِي عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكُنْتُ أُحَدِّثُهُ عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ فَيَرِقَّ حَتَّى يَغْلِبَهُ الْبُكَاءُ، وَيَقُولُ: إِنِّي قَدْ قَرَأْتُ الْإِنْجِيلَ، فَأَجِدُ صِفَةَ هَذَا النَّبِيِّ بِعَيْنِهِ، فَأَنَا أُومِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ، وَأَخَافُ مِنَ الْحَارِثِ أَنْ يَقْتُلَنِي، قَالَ شُجَاعٌ: وَكَانَ يُكْرِمُنِي وَيُحْسِنُ ضِيَافَتِي، وَخَرَجَ الْحَارِثُ

يَوْمًا، فَجَلَسَ وَوَضَعَ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ، فَأَذِنَ لِي عَلَيْهِ، فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَهُ ثُمَّ رَمَى بِهِ وَقَالَ: مَنْ يُنْتَزِعُ مِنِّي مُلْكِي؟، أَنَا سَائِرٌ إِلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ بِالْيَمَنِ جِئْتُهُ، عَلَيَّ بِالنَّاسِ، فَلَمْ يَزَلْ يَفْرِضُ حَتَّى قَامَ، وَأَمَرَ بِالْخُيُولِ تُنْعَلُ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ مَا تَرَى، وَكَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يُخْبِرُهُ خَبَرِي وَمَا عَزَمَ عَلَيْهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ قَيْصَرُ: أَلَّا تَسِيرُ إِلَيْهِ، وَالْهَ عَنْهُ (٢)

وَوَافِنِي بِإِيلِيَاءَ، فَلَمَّا جَاءَهُ جَوَابُ كِتَابِهِ دَعَانِي فَقَالَ: مَتَى تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى صَاحِبِكَ؟، فَقُلْتُ: غَدَا، فَأَمَرَ لِي بِمِائَةِ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ، وَوَصَّلَنِي حَاجِبُهُ، وَأَمَرَ لِي بِنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ، وَقَال لِي: أَقْرِئْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنِّي السَّلَامَ، فَقَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: "بَادَ مُلْكُهُ"وَأَقْرَأْتُهُ مِنْ حَاجِبِهِ السَّلَامَ، وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَ"، وَمَاتَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شِمْرٍ عَامَ الْفَتْحِ؛ قَالَ: وَكَانَ فَرْوَةُ بْنُ عمرو الْجُذَامِيُّ عَامِلًا لِقَيْصَرَ عَلَى عَمَّانَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، فَلَمْ يَكْتُبْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَسْلَمَ فَرْوَةُ، وَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِإِسْلَامِهِ وَأَهْدَى لَهُ، وَبَعَثَ مِنْ عِنْدِهِ رَسُولًا مِنْ قَوْمِهِ، يُقَالُ لَهُ: مَسْعُودُ بْنُ سَعْدٍ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كِتَابَهُ، وَقَبِلَ هَدِيَّتَهُ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ جَوَابَ كِتَابِهِ، وَأَجَازَ مَسْعُودًا بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا - وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ؛ قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو الْعَامِرِيَّ - وَهو أَحَدُ السِّتَّةِ - إِلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا، فَقَدِمَ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَهُ وَحَبَاهُ، وَقَرَأَ كِتَابَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَدَّ رَدًّا دُونَ رَدٍّ، وَكَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مَا أَحْسَنَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَأَجْمَلَهُ،

وَأَنَا شَاعِرُ قَوْمِي وَخَطِيبُهُمْ، وَالْعَرَبُ تَهَابُ مَكَانِي، فَاجْعَلْ لِي بَعْضَ الْأَمْرِ، أَتَّبِعْكَ، وَأَجَازَ سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو بِجَائِزَةٍ، وَكَسَاهُ أَثْوَابًا مِنْ نَسْجِ هَجَرَ، فَقَدِمَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَخْبَرَهُ عَنْهُ بِمَا قَالَ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كِتَابَهُ، وَقَالَ:


(١) الدُّلْدُل: القُنْفُذ، ومنه الحديث "كان اسْم بَغْلَتِه - صلى الله عليه وسلم - دُلْدُلاً "النهاية في غريب الأثر - (ج ٢ / ص ٣٠٩)
(٢) أَيْ: اتركه ..

<<  <   >  >>