للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَحَدٌ إِلَّا اللهُ وَالإِسْرَائِيلِيُّ فَقَالَ مُوسَى حِينَ قَتَلَ الرَّجُلَ: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ}، ثُمَّ قَالَ: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص:١٦] وَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ الأَخْبَارَ، فَأُتِيَ فِرْعَوْنُ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَتَلُوا رَجُلا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَخُذْ لَنَا حَقَّنَا وَلا تُرَخِّصْ لَهُمْ، فَقَالَ: ابْغُونِي قَاتِلَهُ وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَفْوُهُ مَعَ قَوْمٍ، لا يَسْتَقِيمُ لَهُ أَنْ يُقِيدَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلا ثَبْتٍ، فَاطْلُبُوا لِي عِلْمَ ذَلِكَ، آخُذْ لَكُمْ بِحَقِّكُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَطُوفُونَ لا يَجِدُونَ ثَبْتًا، إِذَا مُوسَى قَدْ رَأَى مِنَ الْغَدِ ذَلِكَ الإِسْرَائِيلِيَّ يُقَاتِلُ رَجُلا آخَرَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَاسْتَغَاثَهُ الإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ، فَصَادَفَ مُوسَى قَدْ نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ، فَكَرِهَ الَّذِي رَأَى لِغَضَبِ الإِسْرَائِيلِيِّ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْطِشَ بِالْفِرْعَوْنِيِّ، فَقَالَ لِلإِسْرَائِيلِيِّ لِمَا فَعَلَ أَمْسِ وَالْيَوْمَ: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} [القصص:١٨] فَنَظَرَ الإِسْرَائِيلِيُّ إِلَى مُوسَى حِينَ قَالَ لَهُ مَا قَالَ، فَإِذَا هُوَ غَضْبَانُ كَغَضَبِهِ بِالأَمْسِ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ أَرَادَ، وَمَا أَرَادَ الْفِرْعَوْنِيَّ - وَلَمْ يَكُنْ أَرَادَهُ، إِنَّمَا أَرَادَ الْفِرْعَوْنِيَّ - فَخَافَ الإِسْرَائِيلِيُّ، فَحَاجَزَ الْفِرْعَوْنِيَّ، وَقَالَ: {يَا مُوسَى، أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي

كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ؟} [القصص:١٩] وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ إِيَّاهُ أَرَادَ مُوسَى لِيَقْتُلَهُ، وَانْطَلَقَ الْفِرْعَوْنِيُّ إِلَى قَوْمِهِ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا سَمِعَ مِنَ الإِسْرَائِيلِيِّ مِنَ الْخَبَرِ حِينَ يَقُولُ: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ}، فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ الذَّبَّاحِينَ لِيَقْتُلُوا مُوسَى، فَأَخَذَ رُسُلُ فِرْعَوْنَ الطَّرِيقَ الأَعْظَمَ يَمْشُونَ عَلَى هِينَتِهِمْ يَطْلُبُونَ مُوسَى، وَهُمْ لا يَخَافُونَ أَنْ يَفُوتَهُمْ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ شِيعَةِ مُوسَى مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ، فَاخْتَصَرَ طَرِيقًا قَرِيبًا حَتَّى يَسْبِقَهُمْ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ فَخَرَجَ مُوسَى مُتَوَجِّهًا نَحْوَ مَدْيَنَ، لَمْ يَلْقَ بَلاءً قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ بِالطَّرِيقِ عِلْمٌ إِلا حُسْنَ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ - عز وجل - فَإِنَّهُ قَالَ: {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ، وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص ٢٢ - ٢٣] يَعْنِي بِذَلِكَ: حَابِسَتَيْنِ غَنَمَهُمَا، فَقَالَ لَهُمَا: مَا خَطْبُكُمَا مُعْتَزِلَتَيْنِ لا تَسْقِيَانِ مَعَ النَّاسِ؟، قَالَتَا: لَيْسَ لَنَا قُوَّةٌ نُزَاحِمُ الْقَوْمَ، وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ فُضُولَ حِيَاضِهِمْ، فَسَقَى لَهُمَا، فَجَعَلَ يَغْرِفُ فِي الدَّلْوِ مَاءً كَثِيرًا، حَتَّى كَانَ أَوَّلَ الرِّعَاءِ فَرَاغًا، فَانْصَرَفَتَا بِغَنَمِهِمَا إِلَى أَبِيهِمَا، وَانْصَرَفَ مُوسَى فَاسْتَظَلَّ بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ

مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:٢٤] فَاسْتَنْكَرَ أَبُوهُمَا سُرْعَةَ صُدُورِهِمَا بِغَنَمِهِمَا حُفَّلا بِطَانًا، فَقَالَ: إِنَّ لَكُمَا الْيَوْمَ لَشَأْنًا، فَأَخْبَرَتَاهُ بِمَا صَنَعَ مُوسَى، فَأَمَرَ إِحْدَاهُمَا تَدْعُوهُ لَهُ، فَأَتَتْ مُوسَى فَدَعَتْهُ، فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ: {لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} لَيْسَ لِفِرْعَوْنَ وَلا لِقَوْمِهِ عَلَيْنَا سُلْطَانٌ، وَلَسْنَا فِي مَمْلَكَتِهِ، فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ}، فَاحْتَمَلَتْهُ الْغَيْرَةُ عَلَى أَنْ قَالَ: وَمَا يُدْرِيكِ مَا قُوَّتُهُ وَمَا أَمَانَتُهُ؟، قَالَتْ: أَمَّا قُوَّتُهُ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْهُ فِي الدَّلْوِ حِينَ سَقَى لَنَا، لَمْ أَرَ رَجُلا أَقْوَى فِي ذَلِكَ السَّقْيِ مِنْهُ، وَأَمَّا أَمَانَتُهُ، فَإِنَّهُ نَظَرَ إِلَيَّ حِينَ أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ وَشَخَصْتُ لَهُ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنِّي امْرَأَةٌ صَوَّبَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيَّ حَتَّى بَلَّغْتُهُ رِسَالَتَكَ، ثُمَّ قَالَ: امْشِي خَلْفِي وَانْعَتِي لِيَ الطَّرِيقَ، فَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا الأَمْرَ إِلَّا وَهُوَ أَمِينٌ، فَسُرِّيَ عَنْ أَبِيهَا، فَصَدَّقَهَا وَظَنَّ بِهِ الَّذِي قَالَتْ، فَقَالَ لَهُ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ، فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ، وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ، سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص:٢٧] فَفَعَلَ، فَكَانَتْ عَلَى نَبِيِّ اللهِ مُوسَى - عليه السلام - ثَمَانُ سِنِينَ وَاجِبَةً، وَكَانَتْ سَنَتَانِ عِدَةً مِنْهُ،

فَقَضَى اللهُ عَنْهُ عِدَتَهُ، فَأَتَمَّهَا عَشْرًا، قَالَ سَعِيدٌ: فَلَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي أَيُّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟، قُلْتُ: لا - وَأَنَا يَوْمَئِذٍ لا أَدْرِي - فَلَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ ثَمَانِيًا كَانَ عَلَى مُوسَى وَاجِبَةً وَلَمْ يَكُنْ نَبِيُّ اللهِ لِيَنْقُصَ مِنْهَا شَيْئًا؟، وَيَعْلَمُ أَنَّ اللهَ قَاضٍ عَنْ مُوسَى عِدَتَهُ الَّتِي وَعَدَ، فَإِنَّهُ قَضَى عَشْرَ سِنِينَ، فَلَقِيتُ النَّصْرَانِيَّ فَأَخْبَرْتُهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: الَّذِي سَأَلْتَهُ فَأَخْبَرَكَ أَعْلَمُ مِنْكَ بِذَلِكَ؟، قُلْتُ: أَجَلْ، وَأَوْلَى، فَلَمَّا سَارَ مُوسَى بِأَهْلِهِ، كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّارِ وَالْعَصَا وَيَدِهِ مَا قَصَّ اللهُ عَلَيْكَ فِي الْقُرْآنِ، فَشَكَا إِلَى رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا

<<  <   >  >>