. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَأَيْضًا فَإِنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ نَسْخٌ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ تَخْصِيصٌ. وَإِذَا تَعَارَضَ النَّسْخُ وَالتَّخْصِيصُ، كَانَ التَّخْصِيصُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ بَيَانٌ وَتَقْرِيرٌ، وَالنَّسْخُ إِبْطَالٌ وَتَعْطِيلٌ، وَلِأَنَّ النَّسْخَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ، إِذِ الْأَصْلُ دَوَامُ الْحُكْمِ وَاسْتِمْرَارُهُ، وَالْبَيَانُ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ فِي كَلَامِ الْحَكِيمِ إِذِ الْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ بَيِّنًا، لَكِنَّ الْبَيَانَ قَدْ يُقَارِنُ الْخِطَابَ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَلَعَلَّ مَثَارَ الْخِلَافِ أَنَّ الْعَامَّ هَلْ يُدَلُّ عَلَى أَفْرَادِهِ بِالنُّصُوصِيَّةِ أَوْ بِالظُّهُورِ؟ .
فَإِنْ قِيلَ: بِالنُّصُوصِيَّةِ ; فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَاصِّ وَطِبْقِهِ مِنَ الْعَامِّ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْطُوعٌ بِإِرَادَةِ حُكْمِهِ فِيهِ ; فَيَرْفَعُ الثَّانِي الْأَوَّلَ.
وَإِنْ قُلْنَا: بِالظُّهُورِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ ; فَالْخَاصُّ قَاطِعٌ فِي الدَّلَالَةِ ; فَيُقَدَّمُ كَمَا سَبَقَ.
قَوْلُهُ: " فَإِنْ جُهِلَ التَّارِيخُ ; فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا "، أَيْ: يُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ ; لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي جَهَالَةِ التَّارِيخِ أَنْ يُقَدَّرَ تَأَخُّرُ الْعَامِّ، وَنَحْنُ لَوْ تَحَقَّقْنَا تَأَخُّرَهُ، قَدَّمْنَا الْخَاصَّ عَلَيْهِ ; فَلَا فَرْقَ عَلَى قَوْلِنَا بَيْنَ تَقَدُّمِهِ وَتَأَخُّرِهِ، وَجَهَالَةِ التَّارِيخِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَتَعَارَضَانِ، وَهُوَ قِيَاسُ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ أَحْمَدَ.
وَالتَّعَارُضُ بَيْنَ الْخَاصِّ وَمَا قَابَلَهُ مِنَ الْعَامِّ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ مُتَأَخِّرًا ; فَيَكُونُ نَاسِخًا لِلْخَاصِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ مُتَقَدِّمًا ; فَيَكُونُ مَخْصُوصًا بِالْخَاصِّ وَلَا مُرَجِّحَ ; فَيَجِبُ الْوَقْفُ لِئَلَّا يَكُونَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا تَحَكُّمًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute