للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْمُبَاحَاتِ، خِطَابٌ بِأَمْرٍ، وَلَيْسَ تَكْلِيفًا.

وَكَذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْعَكْسِ، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْمَحْدُودِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلَّمَا انْتَفَى الْخِطَابُ بِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ، انْتَفَى التَّكْلِيفُ، لِأَنَّ الْخِطَابَ بِأَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ قَدْ يَنْتَفِي، وَيَكُونُ التَّكْلِيفُ مَوْجُودًا فِي الْمُبَاحَاتِ، إِذْ حَقِيقَةُ الْإِبَاحَةِ، التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَتَرْكِهِ، نَحْوَ إِنْ شِئْتَ فَافْعَلْ، وَإِنْ شِئْتَ لَا تَفْعَلْ. وَحَقِيقَةُ التَّخْيِيرِ، غَيْرُ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.

فَإِذَا قُلْنَا: الْإِبَاحَةُ تَكْلِيفٌ، فَقَدْ صَحَّ وُجُودُ التَّكْلِيفِ مَعَ انْتِفَاءِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ.

تَنْبِيهٌ: اطِّرَادُ الْحَدِّ، كَوْنُهُ جَامِعًا لِأَجْزَاءِ الْمَحْدُودِ، وَانْعِكَاسُهُ، كَوْنُهُ مَانِعًا. فَمَعْنَى كَوْنِهِ مُطَّرِدًا مُنْعَكِسًا، هُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ جَامِعًا مَانِعًا.

فَإِذَا قُلْنَا: الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ، هُوَ مُطَّرِدٌ، لِأَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ، وُجِدَ الْإِنْسَانُ، وَمُنْعَكِسٌ، لِأَنَّهُ حَيْثُ انْتَفَى الْحَيَوَانُ النَّاطِقُ، انْتَفَى الْإِنْسَانُ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ: هُوَ جَامِعٌ، لِأَنَّهُ جَمَعَ أَجْزَاءَ نَوْعِ الْإِنْسَانِ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْهُ، وَهُوَ مَانِعٌ، لِأَنَّهُ مَنَعَ شَيْئًا مِنْ أَجْزَاءِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ.

وَالِاطِّرَادُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الطَّرْدِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: طَرَدْتُ الْإِبِلَ طَرْدًا وَطَرَدًا، أَيْ: ضَمَمْتُهَا مِنْ نَوَاحِيهَا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: اطَّرَدَ الْأَمْرُ، أَيِ: اسْتَقَامَ، وَاطَّرَدَ الشَّيْءُ: تَبِعَ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي اطِّرَادِ الْحَدِّ، لِأَنَّهُ يَضُمُّ أَجْزَاءَ الْمَحْدُودِ وَيَجْمَعُهَا، وَيَتْبَعُ الْمَحْدُودَ، بِحَيْثُ يُوجَدُ حَيْثُ وُجِدَ، وَيَسْتَقِيمُ بِذَلِكَ وَيَسْتَمِرُّ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الِانْعِكَاسُ: فَهُوَ انْفِعَالٌ مِنَ الْعَكْسِ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ رَدُّكَ آخِرَ الشَّيْءِ إِلَى أَوَّلِهِ، وَالْعَكْسُ فِي الِاصْطِلَاحِ، أَعَمُّ مِنْ هَذَا. وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَنَا: إِذَا وُجِدَ وُجِدَ.

قُلْتُ: وَإِذَا انْتَفَى، فِيهِ مَعْنَى الْعَكْسِ، لِأَنَّ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَالْإِثْبَاتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>