للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فِي قِيَمِ الْأَشْيَاءِ، فَيَرْكَبُ أَحَدُهُمُ الْفَرَسَ، فَيَسُوقُهُ، أَوْ يَرَاهُ رُؤْيَةً مُجَرَّدَةً أَوْ يَأْخُذُ الثَّوْبَ أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْأَعْيَانِ عَلَى حَسَبِ مَا هُوَ دَلَّالٌ فِيهِ، فَيَقُولُ: هَذَا يُسَاوِي كَذَا، أَوْ قِيمَتُهُ كَذَا، فَلَا يُخْطِئُ بِحَبَّةٍ زِيَادَةً وَلَا نَقْصًا، مَعَ أَنَّا لَوْ قُلْنَا لَهُ: لِمَ قُلْتَ: إِنَّ قِيمَتَهُ كَذَا؟ لَمَا أَفْصَحَ بِحُجَّةٍ، بَلْ يَقُولُ: هَكَذَا أَعْرِفُ.

فَعَلَى هَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَحْصُلَ لِبَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ دُرْبَةٌ وَمَلَكَةٌ فِي اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ لِكَثْرَةِ نَظَرِهِ فِيهَا، حَتَّى تَلُوحَ لَهُ الْأَحْكَامُ سَابِقَةً عَلَى أَدِلَّتِهَا وَبِدُونِهَا، أَوْ تَلُوحُ لَهُ أَحْكَامُ الْأَدِلَّةِ فِي مِرْآةِ الذَّوْقِ وَالْمَلَكَةِ عَلَى وَجْهٍ تَقْصُرُ عَنْهَا الْعِبَارَةُ، كَمَا يَلُوحُ الْوَجْهُ فِي الْمِرْآةِ، وَلَوْ سُئِلَ أَكْثَرُ النَّاسِ عَنْ كَيْفِيَّةِ ظُهُورِهِ، لَمَا أَدْرَكَهُ، بَلْ قَدْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْخَوَاصِّ، فَإِذَا اتَّفَقَ ذَلِكَ لِلْمُجْتَهِدِ، وَحَصَلَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ، جَازَ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ هَذَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ هَذَا يَصِيرُ حُكْمًا فِي الشَّرْعِ بِمَا يُشْبِهُ الْإِلْهَامَ، وَأَحْكَامُ الشَّرْعِ إِنَّمَا بُنِيَتْ عَلَى ظَوَاهِرِ الْأَدِلَّةِ، فَتَدُورُ مَعَهَا وُجُودًا وَعَدَمًا، وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: «وَقِيلَ: مَا اسْتَحْسَنَهُ» . هَذَا قَوْلٌ آخَرٌ فِي تَعْرِيفِ الِاسْتِحْسَانِ أَيْ: وَقِيلَ: الِاسْتِحْسَانُ: «مَا اسْتَحْسَنَهُ الْمُجْتَهِدُ بِعَقْلِهِ، فَإِنْ أُرِيدَ مَعَ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَوِفَاقٌ» ، أَيْ: فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ إِذِ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ مُتَّبَعٌ، وَانْضِمَامُ الْعَقْلِ إِلَيْهِ لَا يَضُرُّ، بَلْ هُوَ مُؤَكِّدٌ، وَإِنْ لَمْ يُرَدْ ذَلِكَ، بَلْ أُرِيدَ مَا اسْتَحْسَنَهُ الْمُجْتَهِدُ بِعَقْلِهِ الْمُجَرَّدِ بِدُونِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ لِوَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>