. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ، فَهُوَ كَافِرٌ. وَهَذَا شَبِيهٌ بِقَوْلِ الشَّارِعِ: كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا كُنْتُ رَخَّصْتُ لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ، فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِي هَذَا، فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ، غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ رُجُوعِ الشَّارِعِ عَنْ قَوْلِهِ، وَالْأَئِمَّةِ عَنْ أَقْوَالِهِمْ: أَنَّ رُجُوعَ الْأَئِمَّةِ لِظُهُورِ الْخَطَأِ لَهُمْ، بِخِلَافِ الشَّارِعِ، فَإِنَّهُ مَعْصُومٌ مِنَ الْخَطَأِ، فَرُجُوعُهُ لِاخْتِلَافِ الْمَصَالِحِ لَا لِلْخَطَأِ، إِلَّا عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُهُ فِي اجْتِهَادِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيُجِيزُ وُقُوعَهُ مِنْهُ، فَيَكُونُ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَرُجُوعِ الْأَئِمَّةِ عَنْ أَقْوَالِهِمْ. وَلَعَلَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: إِنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَحَرِّقُوهُمَا ثُمَّ دَعَا بِهِمْ فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا وَلَا تُحَرِّقُوهُمَا، فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ إِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى.
قَوْلُهُ: " ثُمَّ إِنْ عَلِمَ آخِرَهُمَا، فَهُوَ مَذْهَبُهُ كَالنَّاسِخِ ". أَيْ: إِذَا أَطْلَقَ الْمُجْتَهِدُ قَوْلَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ؛ فَإِنْ عَلِمَ آخِرَ الْقَوْلَيْنِ، فَهُوَ مَذْهَبُهُ دُونَ الْأَوَّلِ، فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ رُجُوعِهِ عَنْهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ، وَلَا يُقَلَّدَ فِيهِ، وَلَا يُعَدَّ مِنَ الشَّرِيعَةِ، كَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، وَيَبْقَى الْعَمَلُ عَلَى النَّاسِخِ الْمُتَأَخِّرِ وَيُتْرَكُ الْمَنْسُوخُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ جِهَةِ الْعَمَلِ بِهِ، لِأَنَّ نُصُوصَ الْأَئِمَّةِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute