للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُقَلِّدِيهِمْ؛ كَنُصُوصِ الشَّارِعِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَئِمَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ الْمَرْجُوعُ عَنْهُ لَا يُعَدُّ مِنَ الشَّرِيعَةِ بَعْدَ الرُّجُوعِ عَنْهُ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي تَدْوِينِ الْفُقَهَاءِ لِلْأَقْوَالِ الْقَدِيمَةِ عَنْ أَئِمَّتِهِمْ؟ حَتَّى رُبَّمَا نُقِلَ عَنْ أَحَدِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ الْقَوْلَانِ وَالثَّلَاثَةُ كَثِيرًا وَالْأَرْبَعَةُ؛ كَمَا فِي بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ عَنْ أَحْمَدَ، وَالسِّتَّةُ؛ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَنْهُ، وَنُقِلَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.

قِيلَ: قَدْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُدَوَّنَ تِلْكَ الْأَقْوَالُ، وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى ضَبْطِ الشَّرْعِ، إِذْ مَا لَا عَمَلَ عَلَيْهِ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، فَتَدْوِينُهُ تَعَبٌ مَحْضٌ، لَكِنَّهَا دُوِّنَتْ لِفَائِدَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَدَارِكِ الْأَحْكَامِ وَاخْتِلَافِ الْقَرَائِحِ وَالْآرَاءِ، وَأَنَّ تِلْكَ الْأَقْوَالَ قَدْ أَدَّى إِلَيْهَا اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَذَلِكَ مُؤَثِّرٌ فِي تَقْرِيبِ التَّرَقِّي إِلَى رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ أَوِ الْمُقَيَّدِ، فَإِنَّ الْمُتَأَخِّرَ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَآخِذِ الْمُتَقَدِّمِينَ نَظَرَ فِيهَا، وَقَابَلَ بَيْنَهَا، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا فَوَائِدَ، وَرُبَّمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ مَجْمُوعِهَا تَرْجِيحُ بَعْضِهَا، وَذَلِكَ مِنَ الْمَطَالِبِ الْمُهِمَّةِ، فَهَذِهِ فَائِدَةُ تَدْوِينِ الْأَقْوَالِ الْقَدِيمَةِ عَنِ الْأَئِمَّةِ، وَهِيَ عَامَّةٌ. وَثَمَّ فَائِدَةٌ خَاصَّةٌ بِمَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَمَا كَانَ مِثْلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ، كَالشَّافِعِيِّ وَنَحْوِهِ نَصُّوا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، إِذِ الْعَمَلُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ بِمِصْرَ، وَصَنَّفَ فِيهِ الْكُتُبَ كَالْأُمِّ وَنَحْوِهِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مَذْهَبِهِ شَيْءٌ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهُ إِلَّا سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، تَعَارَضَتْ فِيهَا الْأَدِلَّةُ، وَاخْتُرِمَ قَبْلَ أَنْ يُحَقِّقَ النَّظَرَ فِيهَا، بِخِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَرَى تَدْوِينَ الرَّأْيِ، بَلْ هَمُّهُ الْحَدِيثُ وَجَمْعُهُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَإِنَّمَا نَقَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>