. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَقَوْلُنَا: «مَعَ الْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ» احْتِرَازٌ مِمَّنْ لَا يَجْتَهِدُ فِي مُعْتَقَدِهِ أَصْلًا، بَلْ يَعْتَقِدُ مَا خَطَرَ لَهُ أَوْ مَا مَالَ إِلَيْهِ هَوَاهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَأْثَمُ، لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ، أَوْ تَابِعَ الْهَوَى فِي اجْتِهَادِهِ.
وَقَوْلُنَا: «بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ» ، أَيْ: يَكْتَفِي مِنْهُ بِمَا أَمْكَنَهُ، وَمَا بَلَغَتْهُ قُوَّتُهُ مِنَ الِاجْتِهَادِ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنْهُ مَا لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَيْهِ، إِذْ ذَلِكَ مَا لَا يُطَاقُ.
وَقَوْلُنَا: «مَعَ تَرْكِ الْعِنَادِ» ، احْتِرَازٌ مِنْ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيُعَانِدَ فِي اجْتِهَادِهِ بِأَنْ يَظْهَرَ لَهُ الصَّوَابُ، فَيَحِيدَ عَنْهُ، كَمَا حَكَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النَّمْلِ: ١٤] .
قَوْلُهُ: «وَفِيهِ» ، أَيْ: فِي هَذَا الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ لِعَدَمِ الْإِثْمِ «احْتِرَازٌ مِمَّا يَلْزَمُ الْجَاحِظَ» عَلَى قَوْلِهِ: لَا إِثْمَ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ الْحَقَّ مَعَ الْجِدِّ فِي طَلَبِهِ مِنْ رَفْعِ الْإِثْمِ عَنْ كُلِّ كَافِرٍ، لِأَنَّهُمْ جَدُّوا فِي طَلَبِ الْحَقِّ، فَلَمْ يُصِيبُوهُ، فَلَا يَلْزَمُ هَذَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الضَّابِطِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْمُخَالِفِينَ لِمِلَّةِ الْإِسْلَامِ عَانَدُوا الْحَقَّ مَعَ وُضُوحِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الْأَنْعَامِ: ٣٣] ، {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [الْأَنْعَامِ: ١١٤] ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، مِمَّا دَلَّ عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ. «وَمِنْهُمْ» - أَيْ: وَمِنْ مُخَالِفِي الْمِلَّةِ - «مَنْ لَمْ يَسْتَفْرِغْ وُسْعَهُ فِي الِاجْتِهَادِ» ، فَكَانَ خَطَؤُهُ لِتَقْصِيرِهِ، فَلَحِقَهُمُ الْإِثْمُ لِذَلِكَ، وَنَحْنُ قَدَّرْنَا الضَّابِطَ الْمَذْكُورَ، لِنَفِيَ الْإِثْمِ بِأَنْ يُوجَدَ الْجِدُّ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَالِاجْتِهَادِ، وَأَنْ تَنْتَفِيَ الْمُكَابَرَةُ وَالْمُعَانَدَةُ، فَلَا يَلْزَمُنَا مَا لَزِمَ الْجَاحِظَ مِمَّا سَبَقَ.
قَوْلُهُ: «وَأَنَّ الْكُفْرَ» . هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَالْأَشْبَهُ أَنْ لَا إِثْمَ عَلَى مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute