. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى اشْتِرَاطِ عَدَمِ الطَّوْلِ لِنِكَاحِ الْأَمَةِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى لَا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ، لِأَنَّ النُّصُوصَ الْمُقْتَضِيَةَ لِجَوَازِ النِّكَاحِ مُطْلَقًا تُعَارِضُهُ، فَيَكُونُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ أَوْلَى لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهِ التَّعَارُضَ.
قُلْتُ: هَذَا بِنَاءٌ مِنْهُمْ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ مَمْنُوعٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُطْلَقَ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَنَحْنُ لَمَّا قُلْنَا: يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، كَانَتْ آيَةُ الطَّوْلِ مُقَيِّدَةٌ لِلنُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ.
وَمِنْهَا: تَقْدِيمُ الْأَقَلِّ إِضْمَارًا عَلَى الْأَكْثَرِ، وَقَدْ سَبَقَ، وَمُثِّلَ بُقُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ فَإِضْمَارُ الْوُجُوبِ حَتَّى يَصِيرَ تَقْدِيرُهُ: يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ ; أَوْلَى مِنْ إِضْمَارِ نَفْيِهِ بِتَقْدِيرٍ: لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ.
قُلْتُ: فِي هَذَا التَّمْثِيلِ نَظَرٌ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ صَدْرَ الْحَدِيثِ: لَيْسَ الْوُضُوءُ مِنَ الْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ، إِنَّمَا الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ. وَهَذَا يَمْنَعُ إِضْمَارُ نَفْيِ الْوُجُوبِ لِلتَّصْرِيحِ بِإِثْبَاتِهِ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْإِضْمَارَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلْكَلَامِ لَا مُنَافِيًا، وَقَوْلُهُ: «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» جُمْلَةٌ إِثْبَاتِيَّةٌ، فَإِضْمَارُ نَفْيِ الْوُجُوبِ يُنَافِيهَا، وَالَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّزَاعُ فِيهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ وَالِاسْتِحْبَابُ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: الْوُضُوءُ وَاجِبٌ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ، أَوْ: مُسْتَحَبٌّ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ.
وَمِنْهَا: تَقْدِيمُ أَشْهَرِ الِاحْتِمَالَيْنِ عَلَى الْآخَرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute