. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْأُصُولِيِّينَ، وَفِيهِ تَنَاقُضٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ وَالْكَرَّامِيَّةَ وَالْبَرَاهِمَةَ قَالُوا: الْأَفْعَالُ حَسَنَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ لِذَاتِهَا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ كَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هِيَ كَذَلِكَ بِصِفَةٍ كَمَا شَرَحْنَا. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ قَبِيحَةٌ بِصِفَةٍ قَامَتْ بِهَا، وَهِيَ حَسَنَةٌ لِذَاتِهَا بِغَيْرِ صِفَةٍ، وَالْقَوْلَانِ الْأَخِيرَانِ يَلْزَمُهُمَا التَّنَاقُضُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا: هَذَا قَبِيحٌ أَوْ حَسَنٌ لِذَاتِهِ أَنَّ عِلَّةَ قُبْحِهِ وَحُسْنِهِ ذَاتُهُ وَحَقِيقَتُهُ، وَمَعْنَى قَوْلِنَا: هَذَا حَسَنٌ أَوْ قَبِيحٌ بِصِفَةٍ، أَنَّ عِلَّةَ حُسْنِهِ أَوْ قُبْحِهِ صِفَةٌ قَامَتْ بِهِ، فَقَوْلُنَا مَثَلًا: الْكَذِبُ قَبِيحٌ لِذَاتِهِ، أَيْ: هُوَ قَبِيحٌ لِكَوْنِهِ كَذِبًا، وَإِذَا قُلْنَا هُوَ قَبِيحٌ بِصِفَةٍ، مَعْنَاهُ: هُوَ قَبِيحٌ لِقِيَامِ صِفَةٍ بِهِ أَوْجَبَتْ كَوْنَهُ قَبِيحًا، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: الْأَفْعَالُ قَبِيحَةٌ لِذَاتِهَا بِصِفَةٍ، وَإِسْنَادُهُمُ الْقُبْحَ إِلَيْهَا حُكْمٌ عَقْلِيٌّ، وَقَدْ جَعَلُوا لَهُ عِلَّتَيْنِ: ذَوَاتَ الْأَفْعَالِ وَصِفَاتِهَا الْقَائِمَةَ بِهَا، وَالْحُكْمُ الْعَقْلِيُّ لَا تَتَعَدَّدُ عِلَّتُهُ، وَلَا يَجْتَمِعُ عَلَى أَثَرٍ وَاحِدٍ مُؤَثِّرَانِ عَقْلًا لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ.
وَحِينَئِذٍ يُقَالُ: إِنْ كَانَتِ الْأَفْعَالُ قَبِيحَةً لِذَاتِهَا وَلِصِفَةٍ قَامَتْ بِهَا، فَهُوَ تَنَاقُضٌ، وَإِثْبَاتُ الشَّيْءِ مَعَ مَا يَقْتَضِي عَدَمَهُ. وَعَلَى هَذَا فَالصَّوَابُ فِي عِبَارَةِ الْمُخْتَصَرِ أَنْ يُقَالَ: «عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ ذَاتِيَّانِ أَوْ بِصِفَةٍ» بِلَفْظِ «أَوْ» وَتَكُونُ لِتَنْوِيعِ مَذْهَبِهِمْ إِلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ حَسَنَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ لِذَاتِهَا، وَإِلَى أَنَّهَا كَذَلِكَ لِأَوْصَافٍ قَامَتْ بِهَا. اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنَ التَّنَاقُضِ إِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ قُلْنَا: الْأَفْعَالُ قَبِيحَةٌ لِذَاتِهَا وَلِصِفَةٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute