للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَوَجْهُ دَلَالَتِهَا أَنَّهُ نَفَى الْعِقَابَ قَبْلَ الشَّرْعِ، وَلَوِ اسْتَقَلَّ الْعَقْلُ بِإِثْبَاتِهِ لَمَا صَحَّ نَفْيُهُ وَلَتَنَاقَضَ دَلِيلُ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ، وَتَنَاقُضُهُمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُحَالٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِمَا يُنَافِي الْعَقْلَ، فَإِذَا رَأَيْنَا دَلِيلَ الْعَقْلِ قَدْ نَاقَضَ قَاطِعَ السَّمْعِ وَصَرِيحَهُ، عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ شُبْهَةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا حُجَّةٌ.

الْمَأْخَذُ الثَّانِي: أَنَّ الْحَسَنَ وَالْقَبِيحَ مُشْتَقَّانِ مِنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، فَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْمُشْتَقَّ مِنْهُ وَهُوَ الْحُسْنُ وَالْقُبْحُ مَعْنِيَّانِ قَائِمَانِ بِالْمُشْتَقِّ، وَهُمَا الْحَسَنُ وَالْقَبِيحُ، كَمَا أَنَّ الْأَسْوَدَ وَالْأَبْيَضَ لَمَّا كَانَا مُشْتَقَّيْنِ مِنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ كَانَا - أَعْنِي السَّوَادَ وَالْبَيَاضَ - مَعْنَيَيْنِ قَائِمَيْنِ بِالْأَسْوَدِ وَالْأَبْيَضِ.

وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ مَعْنَيَانِ قَائِمَانِ بِالْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ، كَانَ إِدْرَاكُ قِيَامِهِمَا بِهِمَا عَقْلِيًّا قِيَاسًا لِإِدْرَاكِ بَصِيرَةِ الْعَقْلِ لِأَحْكَامِ الْأَفْعَالِ عَلَى إِدْرَاكِ الْبَصَرِ لِأَحْكَامِ الْأَجْسَامِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إِنَّ قُبْحَهَا لِصِفَاتٍ قَامَتْ بِهَا عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ، وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ، بَلِ الْحَسَنُ: مَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ أَوْ أَذِنَ فِيهِ، وَالْقَبِيحُ: مَا نَهَى عَنْهُ أَوْ مَنَعَ مِنْهُ. وَمَا قَرَّرَهُ الْمُعْتَزِلَةُ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>