للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لِأَنَّ السُّؤَالَ لَمْ يُوضَعْ لِيُسْنَدَ إِلَى الْقَرْيَةِ، الَّتِي هِيَ الْأَبْنِيَةُ وَالْجُدْرَانُ الْجَامِدَةُ، بَلْ إِلَى الْعُقَلَاءِ، فَلِذَلِكَ قُدِّرَ فِيهِ الْأَهْلُ، فَقِيلَ مَعْنَاهُ: وَاسْأَلْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ. وَهَكَذَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:

تَمُوتُ مَعَ الْمَرْءِ حَاجَاتُهُ

فَلَفْظُ الْمَوْتِ وَالْحَاجَةِ حَقِيقَةٌ فِي مَدْلُولِهَا، وَإِنَّمَا الْمَجَازُ فِي إِسْنَادِ الْمَوْتِ إِلَى الْحَاجَةِ، وَإِنَّمَا وُضِعَ الْمَوْتُ لِيُسْنَدَ إِلَى الْأَجْسَامِ الْحَيَّةِ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزَّلْزَلَةِ: ٢] ، فَلَفْظُ الْإِخْرَاجِ وَالْأَرْضِ حَقِيقَةٌ فِي مَدْلُولِهِمَا، وَالْمَجَازُ فِي إِسْنَادِ الْإِخْرَاجِ إِلَى الْأَرْضِ، إِذِ الْمُخْرِجُ لِأَثْقَالِ الْأَرْضِ - وَهُمُ الْمَوْتَى فِي الْحَقِيقَةِ - إِنَّمَا هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِكَ، حَقِيقَتُهُ: سَرَّتْنِي رُؤْيَتُكَ، لَكِنَّهُ أَطْلَقَ لَفْظَ الْإِحْيَاءِ عَلَى السُّرُورِ مَجَازًا إِفْرَادِيًّا، لِأَنَّ الْحَيَاةَ شَرْطُ صِحَّةِ السُّرُورِ، وَهُوَ مِنْ آثَارِهَا.

وَكَذَلِكَ لَفْظُ الِاكْتِحَالِ عَلَى الرُّؤْيَةِ مَجَازٌ إِفْرَادِيٌّ، لِأَنَّ الِاكْتِحَالَ جَعَلَ الْعَيْنَ مُشْتَمِلَةً عَلَى الْكُحْلِ، كَمَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ جَعَلَ الْعَيْنَ مُشْتَمِلَةً عَلَى صُورَةِ الْمَرْئِيِّ بِانْطِبَاعِهَا فِي الْجَلِيدَةِ. فَلَفْظُ الْإِحْيَاءِ وَالِاكْتِحَالِ حَقِيقَةٌ فِي مَدْلُولِهِمَا، وَهُوَ سَلْكُ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ وَوَضْعُ الْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ، وَاسْتِعْمَالُهُ - أَعْنِي لَفْظَ الْإِحْيَاءِ وَالِاكْتِحَالِ - فِي السُّرُورِ وَالرُّؤْيَةِ مَجَازٌ إِفْرَادِيٌّ، وَإِسْنَادُ الْإِحْيَاءِ إِلَى الِاكْتِحَالِ مَجَازٌ تَرْكِيبِيٌّ، لِأَنَّ لَفْظَ الْإِحْيَاءِ لَمْ يُوضَعْ لِيُسْنَدَ إِلَى الِاكْتِحَالِ، بَلْ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لِأَنَّ الْأَحْيَاءَ وَالْإِمَاتَةَ الْحَقِيقِيَّيْنِ مِنْ خَوَاصِّ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>