للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فِي قَيْئِهِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - وَكَانَ يَرَى أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ -: لَيْسَ بِمُجْرِمٍ عَلَى الْكَلْبِ أَنْ يَعُودَ فِي قَيْئِهِ قَالَ أَحْمَدُ: فَقُلْتُ لَهُ: فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، فَسَكَتَ، يَعْنِي الشَّافِعِيَّ.

قُلْتُ: فَالشَّافِعِيُّ تَمَسَّكَ بِالظَّاهِرِ، وَهُوَ أَنَّ الْكَلْبَ لَمَّا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ فِي قَيْئِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاهِبَ إِذَا رَجَعَ مِثْلُهُ فِي عَدَمِ التَّحْرِيمِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ التَّشْبِيهِ اسْتِوَاءُ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَفْتَرِقَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ احْتِمَالًا قَوِيًّا جِدًّا، فَضَعُفَ حِينَئِذٍ جَانِبُ أَحْمَدَ فِي الِاسْتِدْلَالِ جِدًّا، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ جِدًّا، فَقَوَّاهُ بِالْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ، الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ وَهِيَ دَلِيلٌ قَوِيٌّ، وَجُعِلَ ذَلِكَ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَثَلِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ دَلِيلُ الِاهْتِمَامِ بِهِ، فَأَفَادَ ذَلِكَ لُغَةً وَعُرْفًا، أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ مَثَلُ سَوْءٍ، وَقَدْ نَفَاهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَمَا نَفَاهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ يَحْرُمُ إِثْبَاتُهُ، فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ جَوَازَ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ يَحْرُمُ إِثْبَاتُهُ، فَيَجِبُ نَفْيُهُ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَمِثَالُ الْقَرِينَةِ الْمُنْفَصِلَةِ: مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ جَاءَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ بِمُشْرِكٍ، فَادَّعَى أَنَّهُ أَمَّنَهُ، فَأَنْكَرَهُ الْمُسْلِمُ، وَادَّعَى أَسْرَهُ، فَفِيهِ أَقْوَالٌ: ثَالِثُهَا: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ظَاهِرُ الْحَالِ صِدْقُهُ، فَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ أَظْهَرَ قُوَّةً وَبَطْشًا وَشَهَامَةً مِنَ الْمُسْلِمِ، جُعِلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>