للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ((اللَّهُمَّ عِلِّمْهُ التَّأْوِيلَ)) وَدُعَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْتَجَابٌ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلِمَ التَّأْوِيلَ، وَهُوَ عَامٌّ فِي تَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا عَلِمَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، جَازَ أَنْ يَعْلَمَهُ غَيْرُهُ مِنَ الرَّاسِخِينَ، إِذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ تَسْمِيَتَهُمْ رَاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَقْتَضِي عِلْمَهُمْ بِتَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فَضِيلَةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ، نَعَمْ مِنَ الْمُتَشَابِهِ مَا يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ، وَمِنْهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ دُونَهُمْ، كَالرُّوحِ، وَوَقْتِ السَّاعَةِ، وَأَمَارَاتِهَا الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا، كَالدَّجَّالِ، وَنَحْوِهِ. فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُتَشَابِهَ لَا يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ، أَرَادَ بِهِ هَذَا، أَمَّا مَا أَمْكَنَ عِلْمُهُ بِحِكْمَةٍ عَلَى وَجْهٍ سَائِغٍ فِي اللُّغَةِ ; فَلَا.

وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا سَبَقَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي عَكْسِهِ، وَمِنِ اتِّفَاقِ الْجُمْهُورِ عَلَى خِلَافِ مُجَاهِدٍ.

وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ دُعَاءِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِجَابَتُهُ بِنَفْسِ مَا يَدْعُو بِهِ، بَلْ رُبَّمَا صُرِفَ إِلَى غَيْرِهِ، بِأَنْ يُعَوَّضَ عَنْهُ بِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ أَوْ أُخْرَوِيٍّ. وَقَدْ دَعَا بِدَعَوَاتٍ فَلَمْ يُجَبْ فِيهَا ; فَعُوِّضَ عَنْهَا دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ فِي الْآخِرَةِ، ادَّخَرَهُنَّ شَفَاعَةً لِأُمَّتِهِ، وَقَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ عَامَّةٍ ; فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا فَمَنَعَنِيهَا. سَلَّمْنَا أَنَّ مِنْ لَوَازِمِ دُعَائِهِ الْإِجَابَةَ ; لَكِنَّ التَّأْوِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>