للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَتَعَيَّنَتِ الْآحَادُ، وَإِذَا تَعَيَّنَتْ لِلتَّبْلِيغِ، فَلَوْ لَمْ يَجِبِ الْعَمَلُ بِهَا، لَمْ يَكُنْ لِتَبْلِيغِهَا فَائِدَةٌ؛ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ الْعَمَلَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ جَائِزٌ، بَلْ وَاجِبٌ عَقْلًا.

قَوْلُهُ: «الْخَصْمُ: خَبَرُ الْوَاحِدِ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ» ، إِلَى آخِرِهِ، هَذِهِ حُجَّةُ الْخَصْمِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَقْلًا.

وَتَقْرِيرُهَا: أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ؛ فَالْعَمَلُ بِهِ عَمَلٌ بِالْجَهْلِ، وَهُوَ قَبِيحٌ عَقْلًا، وَالْعَقْلُ لَا يُجِيزُ الْقَبِيحَ، وَأَيْضًا: فَإِنَّ امْتِثَالَ أَمْرِ الشَّرْعِ وَالدُّخُولَ فِيهِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقٍ عِلْمِيٍّ، لِيَكُونَ الْمُكَلَّفُ مِنْهُ عَلَى يَقِينٍ وَأَمَانٍ مِنَ الْخَطَأِ فِيهِ.

قَوْلُهُ: «وَأَجَابَ عَنِ الْأَوَّلِ» ، أَيْ: هَذَا الْخَصْمُ الْمَانِعُ لِجَوَازِ التَّعَبُّدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، أَجَابَ عَنِ الْوُجُوهِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْمُجَوِّزُونَ لَهُ؛ فَأَجَابَ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِأَنْ قَالَ: قَوْلُكُمْ: يَجِبُ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ - أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ - مُعَارَضٌ بِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِهِ تَصَرُّفٌ مِنَ الْمُكَلَّفِ فِي نَفْسِهِ الَّتِي هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ، - وَهُوَ خَالِقُهُ عَزَّ وَجَلَّ - بِالظَّنِّ، وَفِي ذَلِكَ خَطَرٌ، لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: لِمَ تَصَرَّفْتَ فِي مِلْكِنَا مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ قَاطِعٍ؟ وَكَيْفَ أَضَعْتَ حَقَّنَا مِنْ نَفْسِكَ بِظَنٍّ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ عَلَى يَقِينٍ؟ وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي وُجُوبِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ عَقْلًا، حَيْثُ كَانَ الْخَطَرُ فِي تَرْكِهِ مُعَارَضًا بِالْخَطَرِ فِي فِعْلِهِ، حَيْثُ كَانَ الشُّكْرُ إِتْعَابًا لِنَفْسِ الشَّاكِرِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهَا.

«وَعَنِ الثَّانِي» : أَيْ: وَأَجَابَ هَذَا الْخَصْمُ عَنِ الْوَجْهِ الثَّانِي لِلْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: لَوِ اعْتَبَرْنَا قَوَاطِعَ الشَّرْعِ، لَتَعَطَّلَتِ الْأَحْكَامُ بِمَنْعِ التَّعْطِيلِ تَمَسُّكًا بِالنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ، أَيْ: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ التَّعْطِيلِ، بَلْ مَا وَجَدْنَا فِيهِ قَاطِعًا أَثْبَتْنَاهُ، وَمَا لَمْ نَجِدْ فِيهِ قَاطِعًا رَدَدْنَاهُ إِلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَهُوَ النَّفْيُ الْأَصْلِيُّ، أَيِ: الْأَصْلُ عَدَمُ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ؛ فَيُسْتَصْحَبُ فِيهَا ذَلِكَ.

«وَعَنِ الثَّالِثِ» : أَيْ: وَأَجَابَ الْخَصْمُ عَنِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ لِلْمُثْبِتِينَ - وَهُوَ أَنَّ إِبْلَاغَ

<<  <  ج: ص:  >  >>