للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَنْسَخُ نَسْخًا، وَالْخِطَابُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَصْدَرَ خَاطَبَ خِطَابًا، حَتَّى يَكُونَ تَعْرِيفُ مَصْدَرٍ بِمَصْدَرٍ، وَهُوَ مُطَابِقٌ فِي اللَّفْظِ، إِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْخِطَابِ الْقَوْلُ الدَّالُّ، كَمَا سَبَقَ تَحْقِيقُهُ عِنْدَ تَعْرِيفِ الْحُكْمِ.

قَوْلُهُ: «لَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ» ، أَيْ: تَعْرِيفُ النَّسْخِ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمُ: الْخِطَابُ الدَّالُّ ; لِأَنَّ النَّاسِخَ يَسْتَلْزِمُ النَّسْخَ، أَوْ يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةَ الْفَاعِلِ عَلَى الْفِعْلِ، أَوِ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الْأَثَرِ.

وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَكَانِ: أَنَّ النَّسْخَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْإِضَافِيَّةِ، الَّتِي يَدُلُّ اللَّفْظُ مِنْهَا عَلَى مُتَعَلِّقَاتٍ لَهُ ; فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَاسِخٍ، وَمَنْسُوخٍ، وَمَنْسُوخٍ لَهُ، وَمَنْسُوخٍ بِهِ، وَنَسْخٍ ; فَيَجِبُ الْكَشْفُ عَنْ حَقَائِقِ هَذِهِ الْأُمُورِ، لِيَتَمَيَّزَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ.

فَالنَّاسِخُ فِي الْحَقِيقَةِ: هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ; لِأَنَّهُ الرَّافِعُ لِلْأَحْكَامِ، وَالْمُزِيلُ لَهَا، وَيُطْلَقُ النَّاسِخُ مَجَازًا عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي يُزِيلُ اعْتِبَارَ لَفْظِ غَيْرِهِ، وَعَلَى الْحُكْمِ الَّذِي يَرْتَفِعُ بِهِ غَيْرُهُ، كَمَا يُقَالُ: هَذِهِ الْآيَةُ نَسَخَتْ تِلْكَ، وَهَذَا الْحُكْمُ نَسَخَ ذَلِكَ الْحُكْمَ، كَمَا يُقَالُ: وُجُوبُ التَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ نَسَخَ وُجُوبَ التَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

وَالْمَنْسُوخُ هُوَ الْحُكْمُ الْمُرْتَفِعُ بِغَيْرِهِ كَالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

وَالْمَنْسُوخُ لَهُ عِلَّةُ النَّسْخِ، وَهُوَ الْمَصْلَحَةُ أَوِ الْحِكْمَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لَهُ، أَوْ إِرَادَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِتِلْكَ الْحِكْمَةِ، فَإِنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِلَّةٌ بَعِيدَةٌ، وَالْحِكْمَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِلنَّسْخِ عِلَّةٌ قَرِيبَةٌ.

وَالْمَنْسُوخُ بِهِ هُوَ اللَّفْظُ، وَالْحُكْمُ الرَّافِعُ لِغَيْرِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ}

<<  <  ج: ص:  >  >>