للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الْمُكَلَّفِينَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الْحَجِّ: ٧٨] ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التَّوْبَةِ: ١٢٣] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سُقُوطِهِ عَنْ جَمِيعِهِمْ، بِفِعْلِ مَنْ يَقُومُ بِطَرْدِ الْعَدُوِّ وَكَفِّ شَرِّهِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ.

وَقَدْ صَرَّحَ الْخِرَقِيُّ بِهَذَا الْمَعْنَى، حَيْثُ قَالَ: وَالْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ قَوْمٌ، سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا فَرْضَ كِفَايَةٍ، لِاكْتِفَاءِ الْجَمِيعِ بِالْبَعْضِ فِي سُقُوطِ الْفَرْضِ.

- قَوْلُهُ: «وَاسْتِبْعَادُهُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ» . هَذَا جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ مِنْ جِهَةِ الْمَانِعِينَ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ.

وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْجَمِيعِ، يَقْتَضِي وُجُوبَ الْأَدَاءِ عَلَى الْجَمِيعِ لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ إِلَيْهِمْ كَمَا سَبَقَ. وَحِينَئِذٍ سُقُوطُهُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ بَعِيدٌ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ ضِدُّ الْحَرَامِ، كَمَا سَبَقَ فِي تَعْرِيفِهِ، ثُمَّ الْحَرَامُ لَا يَخْرُجُ الْجَمِيعُ عَنْ عُهْدَةِ تَرْكِهِ ; بِتَرْكِ الْبَعْضِ لَهُ، كَذَلِكَ الْوَاجِبُ لَا يَخْرُجُ الْجَمِيعُ عَنْ عُهْدَةِ فِعْلِهِ ; بِفِعْلِ الْبَعْضِ لَهُ.

وَالْجَوَابُ بِمَا ذُكِرَ، وَهُوَ أَنَّ سُقُوطَ الْوَاجِبِ عَنِ الْجَمِيعِ، بِفِعْلِ الْبَعْضِ لَيْسَ مُحَالًا لِذَاتِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحَالًا ; فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَبْعَدًا كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ، لَكِنَّ اسْتِبْعَادَهُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ إِذَا قَامَ دَلِيلُهُ، إِذْ قَدْ وَقَعَ فِي الْوُجُودِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْتَبْعَدَاتِ، وَالنَّوَادِرِ، وَالْخَوَارِقِ لِلْعَادَاتِ.

وَقَدْ أَوْجَبَ الشَّرْعُ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، مَعَ أَنَّ الْعَقْلَ وَالشَّرْعَ يَسْتَبْعِدَانِ جِدًّا أَنْ تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، أَوْ يُعَاقَبَ أَحَدٌ بِجَرِيمَةِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةٍ مِنْهُ فِيهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>