للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تَقْلِيلِهَا» فَرَاعَى الشَّرْعُ مَصْلَحَتَهُمْ بِتَصْحِيحِهَا، وَعَلَيْهِمْ إِثْمُ ارْتِكَابِ النَّهْيِ، وَالصِّحَّةُ مَعَ الْإِثْمِ لَا يَتَنَافَيَانِ.

وَبَيَانُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ الْعِبَادَاتِ حَقُّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ; فَتَعْطِيلُهَا بِإِفْسَادِهَا بِالنَّهْيِ عَنْهَا لَا يَضُرُّ بِهِ، بَلْ مَنْ أَوْقَعَهَا بِسَبَبٍ صَحِيحٍ، أَطَاعَ، وَمَنْ لَمْ يُوقِعْهَا بِسَبَبٍ صَحِيحٍ، عَصَى، وَأَمْرُ الْجَمِيعِ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، أَعْنِي الْمُطِيعَ وَالْعَاصِيَ، أَيْ: لَهُ أَنْ يُعَاقِبَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَيُثِيبَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، بِحَسَبِ سَوَابِقِهِمْ عِنْدَهُ، إِذْ ذَلِكَ وَقْتَ ظُهُورِ سِرِّ اللَّهِ فِيهِمْ، وَنَحْنُ كَلَامُنَا فِي ظَاهِرِ التَّكْلِيفِ، وَهُوَ مَا قُلْنَاهُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: «وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي آخَرِينَ» ، مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: «أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ، لِدَلَالَتِهِ عَلَى تَصَوُّرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ» ، يَعْنِي أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمَّا اسْتَحَالَ أَنْ يُقَالَ لِلْأَعْمَى: لَا تُبْصِرْ، وَلِلزَّمِنِ: لَا تَطِرْ، وَالْأَخْرَسِ: لَا تَنْطِقْ، عَلِمْنَا أَنَّ اسْتِحَالَةَ النَّهْيِ عَنْهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صِحَّةَ النَّهْيِ تَعْتَمِدُ تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ; فَحَيْثُ وَرَدَ النَّهْيُ، دَلَّ عَلَى وُجُودِ مَا يَعْتَمِدُهُ، وَهُوَ تَصَوُّرُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ; فَيَكُونُ صَحِيحًا ; فَلِذَلِكَ صَحَّحُوا التَّصَرُّفَ بِالْوَطْءِ وَغَيْرِهِ ; فِيمَا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا، وَصَحَّحُوا بَيْعَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِي أَحَدِهِمَا، وَيَجِبُ رَدُّ الْآخَرِ ; لِأَنَّ النَّهْيَ دَلَّ عَلَى الصِّحَّةِ، وَالصِّحَّةُ تَرَتُّبُ الْآثَارِ وَالتَّمَكُّنُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>