. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَوْلُهُ: «فَإِنْ أَرَادَ» ، إِلَى آخِرِهِ. هَذَا اسْتِفْسَارٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ.
وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي «الصِّحَّةَ الْعَقْلِيَّةَ» وَهِيَ «الْإِمْكَانُ، الَّذِي هُوَ شَرْطُ الْوُجُودِ» ، أَيْ: كَوْنُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مُمْكِنَ الْوُجُودِ لَا مُمْتَنِعَهُ ; فَنَعَمْ يَصِحُّ مَا قُلْتُمُوهُ، وَإِنْ أَرَدْتُمُ الصِّحَّةَ الشَّرْعِيَّةَ، أَيْ: الْمُسْتَفَادَ مِنَ الشَّرْعِ، وَهِيَ تَرَتُّبُ آثَارِ الشَّيْءِ شَرْعًا عَلَيْهِ ; فَذَلِكَ تَنَاقُضٌ، إِذْ يَصِيرُ مَعْنَاهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ: النَّهْيُ شَرْعًا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا، وَهُوَ مُحَالٌ، إِذْ يَلْزَمُ مِنْهُ صِحَّةُ كُلِّ مَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ، وَقَدْ أَبْطَلُوا هُمْ مِنْهُ أَشْيَاءَ، كَبَيْعِ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ وَنَحْوِهِ، وَلِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي - فِي وَضْعِ اللُّغَةِ، وَعُرْفِ الشَّرْعِ - إِعْدَامَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ; لِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ، بَلْ وَغَيْرَ عَاقِلٍ، إِذَا أَرَادَ عَدَمَ فِعْلٍ مَا، قَالَ لِمَنْ خَشِيَ صُدُورَهُ مِنْهُ: لَا تَفْعَلْهُ، وَلَا يَقُولُ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَ إِيجَادَ ذَلِكَ الْفِعْلِ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى النَّهْيِ إِعْدَامُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَحِينَئِذٍ تَرَتُّبُ آثَارِهِ مَعَ إِعْدَامِهِ تَنَاقُضٌ مُحَالٌ.
وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ: أَنَّ الصِّحَّةَ إِمَّا عَقْلِيَّةٌ، وَهِيَ إِمْكَانُ الشَّيْءِ، وَقَبُولُهُ لِلْعَدَمِ وَالْوُجُودِ، كَمَا سَبَقَ، أَوْ عَادِيَّةٌ، كَالْمَشْيِ أَمَامًا، وَيَمِينًا، وَشِمَالًا، دُونَ الصُّعُودِ فِي الْهَوَاءِ، أَوْ شَرْعِيَّةٌ، وَهِيَ الْإِذْنُ فِي الشَّيْءِ ; فَيَتَنَاوَلُ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ إِلَّا التَّحْرِيمَ، إِذْ لَا إِذْنَ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ دَلِيلُ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى اقْتِضَاءِ النَّهْيِ الصِّحَّةَ الْعَقْلِيَّةَ أَوِ الْعَادِيَّةَ، وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَمَّا الشَّرْعِيَّةُ ; فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ النَّاسِ، أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَحِينَئِذٍ دَلِيلُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute