للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

- وَقَوْلُهُ: «لِدَلَالَتِهَا عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا بِاعْتِبَارِ وُجُودَيْهَا اللِّسَانِيِّ وَالذِّهْنِيِّ» ، أَيْ: إِنَّمَا كَانَ الْعُمُومُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ بِالْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَعَانِي لِدَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مُسَمَّيَاتِهَا بِاعْتِبَارِ وَجُودِهَا فِي اللِّسَانِ وَوُجُودِهَا فِي الذِّهْنِ.

وَتَقْرِيرُ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَعْلُومٍ ; فَلَهُ ثَلَاثُ وُجُودَاتٍ:

وُجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ، كَعَيْنِ الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ الْمَفْهُومِ مِنْ لَفْظِ الرَّجُلِ، أَوِ الْإِنْسَانِ.

وَوُجُودٌ فِي اللِّسَانِ، وَهُوَ لَفْظُ اسْمِهِ الدَّالُّ عَلَيْهِ كَلَفْظِ الرَّجُلِ أَوِ الْإِنْسَانِ الدَّالِّ عَلَى مُسَمَّاهُ ; فَهَذَا اللَّفْظُ وُجُودُهُ فِي اللِّسَانِ.

وَوُجُودُهُ فِي الذِّهْنِ: وَهُوَ صُورَةُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ الْحَاصِلَةُ فِي الذِّهْنِ، كَصُورَةِ الرَّجُلِ وَالْإِنْسَانِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوْجُودَاتِ، هُوَ أَنَّ الْوُجُودَ الذِّهْنِيَّ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَلَا اللُّغَاتِ، فَإِنَّ صُورَةَ الرَّجُلِ وَالْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ هُوَ رَجُلٌ وَإِنْسَانٌ وَاحِدَةٌ لَا يَقَعُ فِي الذِّهْنِ تَفَاوُتٌ بَيْنَهُمَا بِالْخَوَاصِّ الْعَارِضَةِ، بَلْ هُوَ بِأْخْذِ الْمَاهِيَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ أَشْخَاصِ الرَّجُلِ وَالْإِنْسَانِ ; فَالْوَلِيدُ وَالرَّضِيعُ وَالْعَظِيمُ وَالْمُرَاهِقُ وَالْفَتَى وَالْكَهْلُ وَالشَّيْخُ الْهِمُّ، كُلٌّ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَإِنْسَانٌ فِي الذِّهْنِ عَلَى السَّوَاءِ، وَهُوَ سَوَاءٌ فِي ذِهْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْعَجَمِيِّ بِخِلَافِ الْوُجُودَيْنِ: الْعَيْنِيِّ، وَاللِّسَانِيِّ ; فَإِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ، لَكِنَّ الْعَيْنِيَّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْخَوَاصِّ، فَإِنَّ زَيْدًا الطَّوِيلَ غَيْرُ زَيْدٍ الْقَصِيرِ، وَعَمْرٌو الْعَالِمُ غَيْرُ عَمْروٍ الْجَاهِلِ، وَالْفَطِيمُ أَكْبَرُ مِنَ الْوَلِيدِ، وَالْبَالِغُ أَقْوَى مِنَ الصَّبِيِّ، وَهَذَا الشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ غَيْرُ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ ; فَالِاخْتِلَافُ وَاقِعٌ فِي الْوُجُودِ الْعَيْنِيِّ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>