للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا مفهوم مستقيم للمنهج التاريخي وهو مأخوذ ومستمد من أسلافنا المحدثين إلا أن المحدثين قد نفذوه وطبقوه على بحوثهم ودراساتهم ونقدهم، بينما يكون كلام المؤرخين نظريًا خياليا، ولم يطبقوا إلا في أضيق الحدود في حوادث نادرة جدًا.

وأما المنهج التاريخي الذي طبقه المستشرقون على الدراسات الإسلامية فهو عبارة عن وصف وتسجيل ما مضى من وقائع تاريخية أو اجتماعية ووضع بعضها بجوار بعض وترتيبها ثم الإخبار عنها والتعريف بها باعتبارها الظاهرة الفكرية ذاتها تاركًا كلية أصول الظاهرة في الوحي أو في الشعور .... فإذا كان الموضوع علم التوحيد سردت الوقائع التاريخية كما يحلو للبعض أن يصفها، وكأن علم التوحيد جزء من التاريخ العام، فإذا ذكرت المعتزلة ذكرت حادثة واصل بن عطاء مع الحسن البصري ونشأة المعتزلة باعتزاله مجلسه، وإذا ذكر خلق القرآن ذكرت محنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وعصور المأمون والمعتصم والمتوكل، وإذا ذكرت الشيعة ذكرت أسماء الأعلام والأئمة وتنسب المذاهب والأفكار إلى الأماكن، فهناك الحرورية والبصريون والبغداديون والكوفيون في حين أن الأفكار مستقلة عن الأماكن ولها وجودها الخاص في الشعور (١).

"وإذا كان الهدف من تطبيق المنهج التاريخي هو الحصول على أكبر قدر ممكن من المعارف والمعلومات عن الموضوع المراد دراسته، فإن مهمة الباحث هنا إرجاع الظاهرة الفكرية إلى أصولها الأولى، فنحن عندما ندرس الحضارة الإسلامية فإن الذي يعنينا ليس التطور التاريخي للحوادث والأخبار وجمعها وتحقيقها، فهذا السرد لا يؤدي بنا إلى نتائج جديدة لأنه عبارة عن ترداد ما حصل في الماضي، ولكن المهمة هي إرجاع الظواهر الفكرية الإسلامية إلى أصولها الأولى التي خرجت منها القرآن والسنة


(١) ينظر التراث والتجديد لـ د. حسن حنفي ٦٤ - ٦٥، والظاهرة الاستشراقية وأثرها على الدراسات الإسلامية لـ. د سالم حاج ١/ ١٩٩ - ٢٠٠ والوحي القرآني في المنظور الاستشراقي ونقده لـ د. محمود ماضي ٣٢ - ٣٤.