للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولكنه ظهر رجل من اليهود زنديق يقال له موسى بن ميمون اليهودي الأندلسي، فوقع عنه كلام في إنكار المعاد، واختلف كلامه في ذلك، فتارة يثبته وتارة ينفيه، ثم هذا الزنديق لم ينكر مطلق المعاد، إنما أنكر بعد تسليمه للمعاد أن يكون فيه لذات حسية جسمانية، بل لذات عقلية روحانية. ثم تلقى ذلك عنه من هو شبيه به من أهل الإسلام كابن سيناء، فقلده ونقل عنه ما يفيد أنه لم يأت في الشرائع السابقة على الشريعة المحمدية إثبات المعاد، وتقليدًا لذلك اليهودي الملعون الزنديق مع أن اليهود أنكروا عليه هذه المقالة، ولعنوه، وسموه كافرًا" اهـ (١).

وهكذا هؤلاء المستغربون اختلف كلامهم في ذلك فتارة يثبتونه وتارة ينفونه، ولم ينكروا مطلق المعاد إنما أنكروا بعد تسليمهم للمعاد أن يكون فيه لذات حسية جسمانية أو عذاب حسي وجسماني كما نثبت ذلك في المباحث القادمة.

إذن تكمن الشبهة في قولهم إن عالم الغيب عالم معنوي خيالي ليس حسيًا ولا جسمانيا.

[تفنيد الشبهة]

[تفنيد شبهة كون عالم الغيب خيالا غير حسي]

أولًا: عالم الغيب هو سر من أسرار الله عز وجل وليس السبيل إلى معرفته إلا سبيل الإخبار بواسطة الرسل قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (٢).

فنصدق الرسول فيما أخبره عن عالم الغيب من أحوال "من غير زيادة ونقصان، فيا خيبة من ينفي الموازين القسط ليوم القيامة كما أخبر الشارع .... " اهـ (٣).


(١) إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع للشوكاني ص: ١٤.
(٢) سورة الجن: ٢٦ - ٢٧.
(٣) شرح الطحاوية للحنفي: ص ٣٧٤.