للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقالت القدرية النفاة: ليست المعاصي محبوبة ولا مرضية له، فليست مقدرة ولا مقضية، فهي خارجة عن مشيئته وخلقه، وأن أفعال العباد غير مخلوقة لله عز وجل، وأنهم هم المحدثون لها من دونه، فجعلوا الإنسان خالقا لأفعاله من دون الله عز وجل (١).

وأهل السنة والجماعة قد اهتدوا إلى سواء السبيل، وهو وسط بين الطرفين فقالوا: إن أفعال العباد مخلوقة لله عز وجل على الحقيقة، وهي فعل للعباد على الحقيقة، وهم قادرون على أفعالهم بقدرة حقيقة مؤثرة في وقوع الفعل منهم، والله أقدرهم على ذلك.

هذا هو مجمل قول أهل السنة في هذه المسألة، وبعد هذا التأصيل نأتي إلى ما قاله المتأثرون بالاستشراق في هذا الباب.

[أقوال المتأثرين بالاستشراق حول القضاء والقدر]

قال سيد أحمد خان: "عند تفسير قول الله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (٢) هذه الآيات وأمثالها من الآيات التي لا يمكن الاستدلال بها على الجبر ولا على الخيار، بل الآيات السابقة على هذه الآية تنافي هذا المفهوم، فليس ثمة في القرآن آية تدل على قضية الجبر ولا على الخيار، ولكن مما يؤسف له أن العلماء المتقديمن قد بحثوا عن مسألة الجبر والخيار في هذه الآيات، ومن الخطأ ظنوا أن هذه المسألة من مسائل الإسلام التي أثبتها الوحي أو القرآن، ثم اختلفوا فيما بينهم: فمنهم من قال: إن الإنسان مجبور في أفعاله، ومنهم من قال: بل الإنسان مختار فيما يفعل، ومنهم من قال: إن الإنسان بين الجبر والخيار، وهذا الأخير أصبح مذهب أهل السنة والجماعة .....


(١) ينظر شرح الطحاوية لأبي العز ص: ٢٠٤ - ٢٠٥، والملل والنحل للشهرستاني ١/ ٨٧.
(٢) سورة البقرة: ٦.