للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا الانحراف، ثم تكلم فيه بعض الصحابة فنهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فانتهوا لمثل ذلك أبدا.

[الشبهة الثالثة: اتهام بني أمية بأنهم كانوا جبرية]

فيُردّ على هذا الزعم من وجوه:

أولا: لو كان بنو أمية يدعون للجبر لوجدوا في الجعد بن درهم (١) وجهم بن صفوان (٢) فرصة سانحة لا تعوض، لكن التاريخ يثبت لنا مناظرات، ومساجلات بين هذين من جانب وبين علماء السنة من جانب آخر، حتى أفتوا بقتلهم لما جاؤوا من بدع وما فتنوا به الناس، فقتل أعيان القدرية، كما قتل أعيان الجبرية في العصر الأموي (٣).

ثانيا: فلم نر حزبا سياسيا في العصر الأموي قام على مبادئ جبرية، بل القدرية والجبرية لم تكن جماعات سياسية بل كانت جماعات دينية، لو أن بني أمية اتخذوا القدر مطية لسياستهم وظلمهم فلا صحة لهذا القول، إذ أننا نرى أن الجبرية


(١) الجَعْد بن درهم: كان من أهل الشام هو أول من ابتدع بأن الله ما اتخذ إبراهيم خليلا، ولا كلم موسى، وأن ذلك لا يجوز على الله، قال المدائيني: كان زنديقا، وقد قال له وهب إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله أن له يدا وأن له عينا ما قلنا ذلك: ثم لم يلبث الجعد أن صلب (سير أعلام النبلاء ٥/ ٤٣٣).
(٢) جَهْم بن صفوان: أبو محرز الرسبي مولاهم السمرقندي، الكاتب المتكلم، أُسّ الضلالة، ورأس الجهمية .. وكان ينكر الصفات ... ويقول بخلق القرآن ويقول: إن الله في الأمكنة كلها .. وكان يقول: الإيمان عقد بالقلب، إن تلفظ بالكفر، قيل: إن سلم بن أحوز قتل الجهم، لإنكاره أن الله كلم موسى (سير أعلام النبلاء: ٦/ ٢٧).
(٣) ينظر تاريخ الطبري: ٧/ ٢٣٠، ٦/ ٥٩.