للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثالثا: إن العقل وإن لم يدرك بعض حقائق الشرع فهو لا يحيلها]

لأن عدم العلم ليس علما بالعدم، بل كل ما أخبر به الشارع أو أمر به فهو إما يكون معقول المعنى والكيف، أو يكون معقول المعنى دون الكيف .... وفي هذا الأخير إثبات عجز العقل عن درك حقائق بعض المسائل، وما ذلك إلا لكمال الشريعة وتفوقها (١).

يقول ابن خلدون رحمه الله: "ليس ذلك بقادح في العقل ومداركه، بل يعقل ميزان صحيح، فأحكامه يقينية .... غير أنك لا توزن به أمور التوحيد والآخرة، وحقيقة النبوة، وحقائق الصفات الإلهية، وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في مُحال، ومثال ذلك رجل رأى الميزان الذي يزن به الذهب فطمع أن يزن به الجبال ..... " اهـ (٢).

فتعين أن العقل عاجز عن معرفة الأمور الغيبية، وهو بهذا ليس في موضع الإهانة والازدراء، بل هو في موضع التكريم حيث لم يكلفه الله فوق طاقته، ولم يطلب إليه الضرب في مجالات يعلم إخفافه فيها سلفا (٣).

فهذه القواعد وما تقتضيه من الأمور بمثابة المعالم الرئيسة للمنهج العقدي السني الذي كان عليه الصحابة ومن تبعهم بإحسان رضوان الله عليهم أجمعين، وهناك قواعد أخرى فرعية سوف نذكرها عند مناقشة مناهج المستشرقين وآرائهم وتقويم آراء المتأثرين بالاستشراق ومناهجهم حسب ما تقتضه المناقشة في الفصول القادمة إن شاء الله.


(١) ينظر منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد لعثمان بن علي حسن ١: /٣٥٧، ٣٥٦.
(٢) المقدمة لابن خلدون دار الشعب ص: ٤٦٠.
(٣) ينظر مباحث في المعرفة في الفكر الإسلامي، لـ د. محمود ماضي ص: ٤، ١٣١.