للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: إنه ما من مسألة فقد تكلم فيها الصحابة أو في نظيرها، فإنه لما فتحت البلاد وانتشر الإسلام حدثت جميع أجناس الأعمال فتكلموا فيها بالكتاب والسنة، وإن تكلم بعضهم بالرأي في مسائل قليلة (١).

خامسا: وأما استدلال معظم المستشرقين والمستغربين بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" فهو رواية وردت في الصحيح عن موسى بن طلحة عن عبيد الله عن أبيه قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رؤس النخل، فقال: "ما يصنع هؤلاء" فقالوا يلحقونه يجعلون الذكر في الأنثى فتلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظن يغني ذلك شيئا قال: فأخبروا بذلك فتركوه. فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فإني إنما ظننت ظنًا فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني لن أكذب على الله عز وجل (٢).

والرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الرواية لم يأمر بشيء ولم ينه عن شيء، إنما ظن ظنًا، وقال لهم: أنتم بالخيار لأنه لم يحدثهم عن الله ولم يجتهد رأيه.

وهذا الاختيار مقيد بالنظر إلى الأمر بالعبادات وبالنظر إلى النهي في المعاملات إذ أنه قد ثبت عند أهل السنة والجماعة "الأصل في العبادة الإتباع ليس الابتداع والأصل في الأشياء (المعاملات) الإباحة ما لم يرد فيه النهي" اهـ (٣).

[الثاني: أقوال المتأثرين في مصدرية القرآن]

قال أمير علي: "أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن تظل ذكرى المكان الذي شهد مولد الإسلام في أذهان العالم الإسلامي، فأمر المسلمين أن يولّوا وجوههم في الصلاة شطر مكة باعتبارها المركز المجيد الذي أشرقت منه شمس الدين الجديد، ورأي بنور النبوة ما ينشأ من التضامن بين المسلمين إذ اتخذت نقطة مركزية تلتف حولها قلوب آمنة في كل


(١) مجموع فتاوى لابن تيمية: ١٩/ ٢٠٠.
(٢) صحيح مسلم كتاب الفضائل، باب وجوب ما قاله شرعًا. ١٥ - ١٦/ ١٢٥ (٢٣٦١).
(٣) ينظر الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم دار الكتب العلمية بيروت ط /١: ١/ ٥٢.