للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تمهيد]

مرت البيئة الأوربية بظروف خاصة قد حددتها طبيعة مصدرها وتطور حضارتها، وذلك منذ عصر النهضة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهما العصران اللذان ظهرت فيهما العلوم الحديثة، وبظهور هذه الاكتشفات الحديثة تطورت الحضارة، ونشأت عندها فكرة الرفض للقديم بعد أن عانت منه تاريخيا وفكريا وإنسانيا وعقليا اجتماعيا زمنا طويلا، فرفضت كل مصدر سابق للمعرفة، وكل مصدر سابق باسم الوحي أو الدين أو الحدس أو المثال نظرا لخيبة الأمل التي حصلت من كشف الأخطاء الموروثة.

واستبدل بذلك كله الإيمان المطلق بالعقل البشري، وقدرته وبالثقة التي لا حدود لها، وبالفكر الإنساني وإمكانية وصوله إلى الحقيقة بالجهد البشري، وإمكانية وصوله بنفسه دون الاعتماد على أي مصدر مسبق. فبدأ أكثرهم يظنون أنهم لم يعودوا بحاجة إلى الإيمان بالله، وهكذا أصبح "الإله" في نظرهم فكرة غير ضرورية، وكل فكرة غير ضرورية لا يقوم على أساس، ولعله لا يغيب عنا مقالة نيتشه (Nietzsche): (١) " لقد مات الإله الآن" اهـ (٢).

وبعد أن أسقط عصر النهضة كل الأنماط النظرية القديمة للواقع، وأصبح الواقع عاريا من كل أساس نظري اضطر المفكرون إلى البحث عن نظريات يفهم الواقع على أساسها، فنشأت المذاهب الفلسفية والتيارات الفكرية كي تسد هذا النقص النظري،


(١) نيتشه (F.W Nietsche) (١٨٤٤ - ١٩٠٠): فيلسوف ألماني بعد أن درس دراسته الابتدائية التحق بجامعة بون (Bonn) عام ١٨٦٤ م، درس الفلسفة، واشتغل أستاذا (Professor) في باسل (Basle) (١٩٦٩ - ١٩٧٩) وهناك أصدر عديدا من كتبه ومن أشهرها: كتاب Humman, All to Humman وكان شاعرا واشتهر من شعره كتاب The Oxford Dicitionary of the Christian Church By) , Zarathustra (P: ٩٧٥ F.L Crass
(٢) ينظر الوحي القرآني في المنظور الاستشراقي ونقده لـ د. محمود ماضي دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع الإسكندرية، ط / ١، ١٤١٦ م ص: ٣٢ - ٣٣.