للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المطلب الأول: عقيدة التوحيد والعقل الإنساني]

وليس ثمة عقيدة تقوم على احترام العقل الإنساني وتعتز به وتعتمد عليه في ترسيخها كالعقيدة الإسلامية، وليس هناك كتاب أطلق سراح العقل وغالى بقيمته كالقرآن الكريم كتاب الإسلام بل إن القرآن ليكثر من استشارة العقل ليؤدي دوره الذي خلق الله له.

ولكن الإسلام بعد هذا التكريم كله وذلك الاهتمام قد حدد للعقل مجالاته التي يخوض فيها حتى لا يضل، وفي هذا تكريم له لأنه محدود الطاقات والملكات فلا يستطيع أن يدرك كل الحقائق (١).

وقد جاءت البراهين العقلية في القرآن في أعظم المطالب الإلهية: ففي الدلالة على توحيد الله وتفرده بالعبادة دون سواه، خاطب الله أصحاب العقول مبينا لهم بطلان الآلهة التي اتخذت من دونه فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} (٢).

فهذه الآلهة التي عبدت مع الله عز وجل آلهة ضعيفة عاجزة لا تملك لعابديها نفعا ولا ضرا (٣).

"وخص الذباب لأربعة أمور تخصه: لمهانته وضعفه ولاستقذاره وكثرته، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره، لا يقدر من عبدوه من دون الله عز وجل على خلق مثله، ودفع أذيته فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين وأربابا مطاعين. وهذا من أقوى حجة وأوضح برهان" اهـ (٤).


(١) قد فصلنا هذه القاعدة عند ذكر قواعد المنهج السني في الباب الأول ينظر ص: ٤٥ في البحث.
(٢) سورة الحج: ٧٣.
(٣) ينظر موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية للأمين الصادق: ١/ ٥٧.
(٤) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ١٢/ ٩٧.