واتباعا لما بينه القرآن من البرهان العقلي قد استخدم العلماء المتقدمون الاستدلال العقلي لبيان توحيد الله عز وجل في ألوهيته وربوبيته وهو مسلك فيها قوة الدلالة واضحة وسلامة الفكر مضمونة، بخلاف استدلال المتأخرين.
فجاء في بيان تلبيس إبليس: "يجب على من أراد أن يعرف الله تعالى المعرفة التامة أن يفحص عن منافع جميع الموجودات، وإما دلالة الاختراع فيدخل فيها وجود الحيوان كله ووجود النبات ووجود السماوات، وهذه الطريقة تنبني على أصلين موجودين بالقوة في جميع فطر الناس.
أحدهما أن هذه الموجودات مخترعة، وهذا معروف بنفسه في الحيوان والنبات، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}(١). فإنا نرى أجسامًا جمادية ثم تحدث فيها الحياة، فنعلم قطعًا أن ها هنا مُوجدًا للحياة ومنعمًا بها وهو الله تبارك وتعالى، وأما السموات فنعلم من قبل حركاتها التي لا تفتر أنها مأمورة بالعناية بما ها هنا ومسخرة لنا، والمسخر المأمور مخترع من قبل غيره ضرورة.
والأصل الثاني: فهو أن كل مخترَع فله مخترِع فيتضح من هذين الأصلين أن للموجود فاعلًا مخترِعًا له، وفي هذا الجنس دلائل كثيرة على عدد المخترعات.
..... وكذلك أيضًا من يتتبع معنى الحكمة في موجود عن معرفة السبب الذي من أجله خلق الغاية المقصودة به كان وقوفه على دليل العناية أتم، فهذان الدليلان هما دليلا الشرع.
وأما الآيات المنبهة على الأدلة المفضية إلى وجود الصانع سبحانه في الكتاب العزيز فهي مختصرة في هذين الجنسين من الدلالة، فهذا بين لمن تأمل الآيات الواردة في الكتاب العزيز في هذا المعنى، إذا تصفحت وجدت على ثلاثة أنواع: