للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (١).

[التوجيه الصحيح لما سبق من الآيات]

أولا: إن الآية التي ذكرها السيد من سورة البقرة قد ورد تفسيرها عند الطبري، فقال: "والحق في ذلك عندي ما صح نظيره الخبر عن رسول الله صلى لله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، فإن زاد زادت حتى يغلف قلبه، فذلك "الران" الذي قال الله جل ثناؤه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، فأخبر صلى الله عليه سلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلفتها، وإذا أغلفتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله عز وجل والطبع، فلا يكون للإيمان مسلك، ولا للكفر مخلص، فلذلك هو الطبع والختم اللذين ذكرهما الله في قوله: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} " اهـ (٢).

ثانيا: إن الآيات السابق ذكرها قد بينت مشيئتين مشيئة للرب ومشيئة للعبد ولا تعارض بينهما، كما قال ابن تيمية رحمه الله: "وقد أثبت الله المشيئتين مشيئة الرب ومشيئة العبد، وبين أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الرب في قوله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (٣) وقال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (٤)، وقد قال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ


(١) سورة المطففين: ١٤.
(٢) جامع البيان للطبري: ١/ ١١٢ - ١١٣.
(٣) سورة الإنسان: ٣٠.
(٤) سورة التكوير: ٢٩.