للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحليل العبارة وتعيين الشبهة]

إن استدلال إقبال على ختم النبوة فهو استدلال عقلي جيد، ولكنه لا يخلو من تأثر استشراقي خفي، حيث جعل الوحي والنبوة في مراحل وجعل حياة الإنسان في مراحل، وكل يرتقي في مراحله مرتبطا بعضهما ببعض، وجعل ختم الرسالة بكمال العقل الاستقرائي، ورفع العقل فوق منزلته حيث سدّ الطرق العلمية جميعا أمام طريق العقل الاستقرائي.

هذه وغيرها من العبارات كثر ترديدها بين رجال المدرسة المتأثرة بالاستشراق، ويجعلون بلوغ العقل سن الرشد دليلا على انقطاع الوحي والنبوة، واستحسن بعض الكتاب في هذا العصر مثل هذه العبارات لكونها دليلًا عقليًا على ختم النبوة، وهم لا يشعرون إلى أي شيء تستهدف هذه العبارات عند المستغربين، ولا يدرون أنهم جعلوا النبوة والعقل بمنزلة واحدة يغني كل منهما عن الآخر، فعند عدم كمال العقل تأتي النبوة، ويُرسل الأنبياء، وعند كمال العقل وبلوغ سن الرشد تنتهي الحاجة إلى النبوة والأنبياء، فينقطع الوحي والنبوة، والبشرية في نظرهم قد بلغت سن الرشد وليس لها من حاجة إلى النبوة وهدايتها فيكتفون بأحكام العقل وهدايته (١).

فهذا ما أشار إليه إقبال عند ما قال: " .... ولما كانت البشرية في مراحلها الأولى أو في سنها الطفولي بدأت قوتها النفسية تنمو وتتطور حتى وصلت إلى شكل عبرنا عنه بشعور النبوة .... ولكن لما تفتحت عيون العقل واستيقظت قوة النقد كان مستفاد الحياة في أن تتوقف القوى الغيبية التي كانت مقيدة للحياة في مراحل رقيها الأولى .... فالإنسان يسخر الأشياء التي حوله بالعقل الاستقرائي .... " اهـ.


(١) ينظر منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير لـ د. فهد بن عبد الرحمن الرومي ص: ٤٩١.