للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المطلب الأول: نشأة الاعتقاد بالقضاء والقدر]

قد ثبت بما سبق من الأدلة القاطعة من الكتاب والسنة بأن الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان قد أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم وبينه النبي صلى الله عليه وسلم في سننه المطهرة الثابتة، فقد نشأ هذا الاعتقاد، بل أنشأه الله في قلوب المؤمنين الأولين من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ردًّا على ما كان عليه الجاهليون من الانحرافات في هذه القضية.

فالجاهليون إمَّا كانوا يحتجون بقدر الله على أفعالهم الشنيعة من الكفر والإلحاد والفسق والفجور أو كانوا ينكرون قضاء الله وقدره من أصله بإنكارهم قدرة الله الباهرة على الخلق والمشيئة، وبقولهم إن حياتهم هذه تمضي بدون أي مراقب يراقبهم ويقيد أعمالهم. فأنكر الله عليهم هذا الاعتقاد بأنه خرص وظن لا يقوم على دليل.

قال الله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ} (١).

وقال تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} (٢).

اتباعا لهؤلاء الكفار فقد ضلت طائفتان من المسلمين في هذا الباب وهما الجبرية والقدرية:

فقالت الجبرية: الكون كله بقضاء الله وقدره فيكون محبوبا مرضيا، والإنسان لا يقدر على شيء، ولا يوصف بالاستطاعة، وإنما هو مجبور في أفعاله، لا قدرة له، ولا إرادة، ولا اختيار، ومن ثم فتحوا باب المعاصي على مصراعيه، واحتجوا بقضاء الله وقدره على كل معصية ارتكبوها.


(١) سورة الأنعام: ١٤٨.
(٢) سورة الجاثية: ٢٤.