للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} (١).

رغم كل المحاولات التي بذلها الإنسان في سبيل الاستطلاع على كل ما في هذا الكون مازال شيء كثير منه في الغيب عن إدراك الإنسان.

وأما عالم البرزخ وعالم الآخرة بجملتهما عالم الغيب فلا يعرف منه الإنسان إلا ما أخبر به الرسل، فلا سبيل إلى معرفة هذا العالم إلا بالإيمان بالنبوات، ولما أن الفكرة السائدة في الغرب عدم الاعتراف بالنبوات من كونها هبة من الله ومنَّة على الإنسان أنكر معظمهم عالم الغيب، فحاول السيد ومن سلك مسلكه تقريب عقيدة الإيمان بالغيب إلى أذهان أولئك الماديين، ولكن هذه المحاولة أخرجتهم من عقيدة السلف الصحيحة في الإيمان بعالم الغيب إلي عقيدة باطلة.

ومفهومهم لعالم الغيب كاد أن يوصلهم إلى الانكار كليًا لولا أنهم ارتكنوا إلى آراء الفلاسفة اليونانيين والمستشرقين الغربيين، فاختاروا مذهبهم ليتماشى مع ثقافة الغرب ومعطياتها.

فقد تأثر السيد برأي أفلاطون فقد قال: "اعلم أن فلاسفة اليونان المتقدمين مثل أفلاطون وغيره كانوا يقرون أن هناك أعيانا ثابتة غير مادية" اهـ.

وأما إقبال فقد نقل قول المستشرق "هوكنك" (Hocking) حيث قال: "شموليات الشعور الديني يمكن رؤيتها بالبصيرة العقلية" اهـ.

ومفهومهم هذا لعالم الغيب كان باعثًا قويًا لإنكارهم للمعاد الحسي (٢) الذي اتفقت عليه الشرائع كلها كما قال العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى: "والحاصل أن هذا (المعاد الحسي) أمر اتفقت عليه الشرائع ونطقت به كتب الله عز وجل سابقها ولاحقها، وتطابقت الرسل أولهم وآخرهم ولم يخالف فيه أحد منهم وهكذا اتفق على ذلك أتباع جميع الأنبياء من أهل الملل، ولم يسمع عن أحد منهم، أنه أنكر ذلك قط،


(١) سورة الرحمن: ٣٣.
(٢) وسيأتي الكلام عن إنكارهم للمعاد الحسي إن شاء لله، ينظر ص: ٥١٣ في هذا البحث.