للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالمنهج التاريخي إذن يقضي على وحدة الظاهرة واستقلالها ويرجعها إلى عناصر مادية وإلى عوامل تاريخية مع أن هذه العناصر المادية إن هي إلا عوامل الفكر وليست مصدرًا لموضوعاته، فالطبيعة لا تنتج فكرًا بل هي محررة للفكر" اهـ (١).

وقد يستخدم المستشرق المنهج التاريخي لنقد ظاهرة ما، فينقد الظاهرة بمعياره الخاص، ويسميه منهج النقد التاريخي، كما يقول المستشرق الألماني رودي بارت (Rudi Parret): " .... فنحن معشر المستشرقين عندما نقوم اليوم بدراسات في العلوم العربية وفي العلوم الإسلامية لا نقوم بها قط لكي نبرهن على ضعة العالم العربي الإسلامي بل على العكس، نحن نبرهن على تقديرنا الخاص للعالم الذي يمثله الإسلام ومظاهره المختلفة، والذي عبر عنه الأدب العربي كتابة، ونحن بطبيعة الحال لا نأخذ كل شيء ترويه المصادر على عواهنه دون أن يعمل فيه النظر، بل نقيم وزنًا فحسب لما يثبت أمام النقد التاريخي أو يبدو كأنه يثبت أمامه، ونحن في هذا نطبق على الإسلام وتاريخه، وعلى المؤلفات العربية التي نستعمل المعيار النقدي نفسه الذي نطبقه على تاريخ الفكر عندنا وعلى المصادر المدونة لعالمنا نحن" اهـ (٢).

وفي النهاية "إن استخدام هذا المنهج يؤدي إلى إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعدم صدقية الوحي الإلهي، لأنه يحيل كل شيء إلى ظواهر تاريخية، فالمستشرقون إذا ذكروا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) فإنهم يصنفونه مع أنبياء الفرس وحكمائهم وذلك عندما يعقدون المقابلات بينه وبين "زرداشت" و "ماني"، حول الإسراء والمعراج والاتصال بالملكوت الأعلى. وهكذا يصبح هذا المنهج أداة لمحو النبوة المحمدية وتفسيرها ضمن النبوءات الأخرى التاريخية، وهو بذلك يقوم على فكرة مسبقة وعلى تميز حضاري وتعصب ديني" اهـ (٣).


(١) التراث والتجديد لـ د. حسن حنفي ص: ٧١.
(٢) الدراسات العربية بارت ص: ١٠، نقلا عن الوحي القرآني د. محمود ماضي ص: ٢٨.
(٣) دراسات إسلاميه لـ د. حسن حنفي ص: ٢٢٨ نقلًا عن الظاهرة الاستشراقية درسا س حاج ١/ ٢٠١.