للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مأخوذة ومتأثرة من الديانات السابقة أو من البيئات المجاورة، ومن ثم ادعوا أن الوحي القرآني والسنة النبوية والتوحيد الإسلامي والفقه الإسلامي كل هذا مستمد من عوامل خارجية مارست عليها قواعد الأثر والتأثر فعلها، وكأن هذه الحضارة مجتمعة نابعة من تطبيق هذا المنهج الذي ينفي كل أصالة للدين الإسلامي، ويقضي على العقيدة الإسلامية قضاءً مبرمًا (١).

وبعد أن استخدم جولدتسهير منهج الأثر والتأثر لدراسة العقيدة الإسلامية وصل إلى نتيجة يقول فيها: "فتبشير النبي العربي ليس إلا مزيجًا منتخبًا من معارف وآراء دينية، عرفها واستقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها التي تأثر بها تأثرًا عميقًا، والتي رآها جديرة بأن توقظ عاطفة دينية حقيقية عند بني وطنه، وهذه التعاليم التي أخذها عن تلك العناصر الأجنبية كانت في رأيه كذلك ضرورية لتثبيت ضرب من الحياة في الاتجاه الذي تريده الإرادة الإلهية، لقد تأثر بهذه الأفكار تأثرًا وصل إلى أعماق نفسه، وأدركها بإيحاء قوته التأتيرات الخارجية، فصارت عقيدة انطوى عليها قلبه، كما صار يعتبر هذه التعاليم وحيًا إلهيًا -فأصبح- بإخلاص على يقين بأنه أداة لهذا الوحي" اهـ (٢).

ومن البواعث على استخدام المستشرقين هذا المنهج لدراسة العقيدة الإسلامية البيئة نفسها التي نشأ فيها المستشرق إذ أن البيئة الأوربية تخضع ثقافتها للأثر والتأثر، ومن المعروف أن الحضارة الأوربية نشأت بالبعث اليوناني في أوائل عصر النهضة، وإحياء التراث العقلي القديم لإنقاذها من قطعية اللاهوت وسلطان الكنيسة، فظن المستشرق بانطباعاته الثقافية وتكوينه الفكري أن اليونان هم مصدر كل حضارة، وكذلك لما توالدت المذاهب الفلسفية في الغرب بعضها من البعض الآخر، وتأثر


(١) ينظر الظاهرة الاستشراقية لـ د. ساسي الحاج ١/ ٢٠٣.
(٢) العقيدة والشريعة لـ جولدتسيهر ص: ١٢.