للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العقيدة فهي جزء من أجزاء تركيبية لهذا الجوهر، والصدق يدركه الإنسان بالنظر إلى الطبيعة وقوانينها، وهو يتمثل فيها، ومنها يتعين نظام حدوث ظواهر مادية وغير مادية، وقوانين الطبيعة تقررًا معيارًا للأخلاق يقوم على أساسه أخلاق المجتمع الإنساني ومنطق قوانين الطبيعة يلزمنا بالقول إن هناك سببًا أساسيًا ومحركًا أولًا وهو الله تعالى (١).

وحاول السيد أن يربط بين المنهج العقلي والمنهج الطبيعي وهذا منهج عامة الفلاسفة في القرن الثامن عشر لأن الكشوفات العلمية الحديثة والمعارف الجديدة ألزمتهم أن لا يقبلوا شيئًا إلا إذا عقلوه وجربوه في ضوء قوانين الطبيعة، فالعقل والطبيعة قوتان متبادلتان فعالتان معًا عندهم، (٢) واستند السيد في منهجه الطبيعي إلى أساس إسلامي في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء" ثم يقول أبو هريرة رضى الله عنه واقرؤا إن شئتم (٣) {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (٤).

ولكن السيد لم يتقيد في فهم كلمة الفطرة بفهم السلف: هو "بأن كل مولود يولد متهيئًا للإسلام فمن كان أبواه أو أحدهما مسلمًا استمر على الإسلام في أحكام الآخرة والدنيا .... " اهـ (٥) بل استبدل معنى كلمة الفطرة وأراد بالفطرة هي الأسباب والنتائج الحَتْمية المتسلسلة أو تلك قوانين الطبيعة التي قام عليها نظام الحياة والكون والخلق، بل يتوسع أكثر عندما يعبر الفطرة ويفسرها ويجعلها مصدر كل علم، وهو متأثر في هذا المنهج بالمستشرق الإنكليزي "لوك" (Lock) الذي عاش في القرن الثامن


(١) ينظر خطبات أحمدية لسيد أحمد خان ١٨٧٠ م ١/ ١ - ٥.
(٢) ينظر مجلة "فكر ونظر" العدد الخاص بـ سيرسيد أكتوبر ١٩٩٢ م ص: ١٠ - ١١.
(٣) صحيح مسلم مع شرح النووي كتاب القدر باب معنى كل مولود ..... ٨/ ٤٤٦ رقم (٢٦٥٨).
(٤) سورة الروم: ٣٠.
(٥) حاشية صحيح مسلم مع شرح النووي ٨/ ٤٤٩.