للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه وغيرها من الآيات الدالة على قدر الله المسبق وقضائه المبرم أولها المتأثرون بالاستشراق إلى مفهوم جديد خوفا من هجمات استشراقية على عقيدة القدر، مثل قول "سورديل" (Sordel): " الواضح أن القدرة الإلهية تسيطر على الوحي القرآني إلى حد أنه تخنق الحرية البشرية" اهـ (١).

أمام هذه المزاعم أرادوا أن يجعلوا الإنسان وأعماله خارجة عن إطار قدر الله فأنكروا قضاء الله فيما يفعله الإنسان، كما صرح بهذا القصد (الإنكار بعقيدة القدر) محمد علي اللاهوري القادياني (٢) في تفسيره "بيان القرآن" فقال عند تفسير الآية: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} (٣): " ... التقدير له مفهومان لا ثالث لهما أحدها قدّر أي أعطاه القدرة والثاني: قدّر بمعنى أنه خلقه بقدر تقتضيه حكمة الله، والخروج من هذين المعنيين إلى معنى ثالث غير صحيح ..... فالتقدير معناه التخمين الذي جاء من عند الله لكل شيء حيث يستحيل أن يخرج ذلك الشيء من هذا الإطار، ولم تطلق كلمة القدر في القرآن لأعمال الإنسان، وكون الإنسان شقيا وسعيدا فهو علم الله، ولا يقال له قدر الله وقضاؤه" اهـ (٤).

وشبهة إنكار قدر الله السابق المحتم قد أثارها المعتزلة قديما، وتناولها المستشرقون حديثا ببثها بين أبناء المسلمين، فيقول جولدتسيهر: "إن هذه الأفكار التقية قد أدت بالعلماء إلى الاعتقاد بأن الإنسان في نشاطه الشرعي والأخلاق لا يمكن أن يكون عبدا لقدر لا يتغير، بل الأولى به أن يخلق بنفسه أفعاله ليكون هو نفسه علة خلاصه وسلامته أو شقائه وهلاكه، وهكذا عرفت فيما بعد نظرية هذا الفريق بنظرية


(١) الإسلام لدمينك سورديل: ٣٦.
(٢) هو أحد رجالات القادنية، وكان يعد نفسه من تلامذة سيد أحمد خان، ولذا أوردنا قوله هنا وسيأتي التفاصيل عن حياته في الفصول القادمة. ينظر ص: ٦٢١ في هذا البحث.
(٣) سورة القمر: ٤٩.
(٤) بيان القرآن لمحمد علي اللاهوري: أحمديه أنجمن إشاعت إسلام لاهور الطبعة الرابعة، ١٤٠١ هـ: ٢/ ٩٨٢.