للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجانب لكيلا يلعب بهم الشيطان فيضلهم، ولكن قد وقع ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم صار هذا موضع الخلاف بين الملل، وقد وفق أهل السنة فيه بالقول الوسط الحق بين الفرق، فإخراج هذا الجانب من معنى القدر هذا هو الضلال المبين.

ثالثا: إن هؤلاء المتأثرين بالاستشراق، والمنهزمين أمام تحديات المستشرقين استهدفوا بهذا الإنكار أن يجعلوا الإنسان حرّا طليقا فيما يفعله بل خالقا لأفعاله، وخارقا لقدر الله، فأرادوا إطلاق الإنسان من قضاء الله الخالق الحكيم، ولكنهم قيدوه في سجين الطبيعة والقانون الطبيعي من حيث لا يشعرون، حتى قال أحد رؤوس الماديين العصريين بوخفير الألماني: "إن الحرية الإنسانية التي اعتبرها الروحييون مبدأ للاختيار والإرادة وهم باطل، فإن الإنسان في ذاته حادث طبيعي محكوم بالطبيعة التي كوّنته، والمناخ الذي رباه والوسط الذي أقله والجنس الذي نشأ منه والتربية التي غرست فيه من صغره" اهـ (١).

رابعا: إن الإيمان بالقدر خيره وشره من الله الخبير، قد اعترف بحقيقته هؤلاء المتأثرون بالاستشراق في أماكن أخرى ولكنهم يسمونه بتسميات أخرى، إذ أن محتوى القدر عندهم لا يشمل كل التفاصيل التي جاء ذكرها في الأحاديث النبوية الثابتة الصحيحة، لأنهم في شك في ثبوت السنة عن صاحبها صلى الله عليه وسلم.

فمن اعترافاتهم بأن أعمال العباد من قدر الله وقضائه قول محمد علي اللاهوري: "أما كون الإنسان سعيدا أو شقيا فهو علم الله ولا يقال له قدر الله وقضاؤه" اهـ (٢).


(١) منهج المدرسة العقلية في التفسير لفهد الرومي: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٤٠٧ هـ ص: ٥٣٨.
(٢) بيان القرآن لمحمد علي: ٢/ ٩٨٢.