للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علم الغيب الذي يقال إنه وراء عالم المادة والطبيعة الذي يعرفه جميع الناس، فإن هذا الغيب شيء لم يثبت عندنا وجوده، كما أنه لم يثبت عندنا ما ينفيه، أو يلحقه بالمحال" اهـ (١).

وهذا بعينه ما قاله أعداء الإسلام من المستشرقين وغيرهم، فيقول المستشرق "لويس أميلي سيديو" (Louis Amelie Sedillot) (٢): " محمد الذي كان منظر الطبيعة غذاء لعقله، فعرف أن يسمو به إلى خالقه، شعر في نفسه ذلك الحس الديني لضرورة الإفصاح عما نضج في فؤاده من الفكر بأقوال وأفعال، فيجب على من يبغي إبلاغ دين أن يبدع، إذن رموزا مفطورة ظاهرة فذة، ما دعي إلى صنعه ذلك الذي يخاطب قوما تميزه من بقية الشعوب بأوصاف خاصة" اهـ (٣).

وقال المستشرق "ستودارد": "كان محمد أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يكن فيلسوفا، ولكنه لم يزل يفكر في هذا الأمر إلى أن تكونت في نفسه بطريق الكشف التدريجي المستمر عقيدة كان يراها الكفيلة بالقضاء على الوثنية" اهـ (٤).

وبالمقارنة بين آراء المستشرقين وأقوال المستغربين يظهر لنا حقيقة هؤلاء المتأثرين بالاستشراق، فإنهم أدركوا من بين مبادئ الإسلام منزلة النبوة والرسالة، وثبوتها وختامها إدراكا جيدا، ثم اطلعوا على شبهات المستشرقين في صورة صياغة


(١) الوحي المحمدي لمحمد رشيد رضا: مطبعة المنار، مصر، ط/ ٢، ١٣٥٤ هـ، ص: ٧٥.
(٢) سديو (Sedillot) (١٨٠٨ - ١٨٧٥): ولد في باريس وهو الابن الثاني لجان جاك أمانويل سديو الذي كان مستشرقا وفلكيا. تعلم على يدي أبيه اللغات الشرقية والرياضيات، وحصل على الليسانس من جامعة باريس، وحضر محاضرات سيلفستر دي ساسي في الكوليج دي فرانس، ثم صار سكريتيرا له. وقد نشرت له عدة تأليفات ومن أهمها تاريخ العرب ويشمل بإيجاز تاريخ العرب من البداية حتى الأمير عبد القادر الجزائري (ينظر موسوعة المستشرقين للبدوي ص: ٣٤٥).
(٣) تاريخ العرب لسديو ترجمة عادل زعيتر مطبعة عيسى التاجر أرسلان، دار الفكر بيروت، ١٣٩٤ هـ/ ١٩٧٣ م، ص: ٩١.
(٤) حاضر العالم الإسلامي لـ ستودارد: تعليق شكيب أرسلان، دار الفكر بيروت، ١٣٩٤ هـ/ ١٩٧٣ م: ١/ ٣١.