للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل الشرق يزعمون أنهم يتساوون أهل الغرب، ويسعون في تقليد آداب ومراسيم الغرب، وإذا أرادوا الانتساب إلى حضارتنا فعليهم أن يغيروا أحوال المرأة عندهم.

ولكن المشكلة كلها تكمن في أن القرآن يربط بين الدين والدولة، ولا يمكن الفصل بينهما، والحل الوحيد لهذه المعضلة القضاء عليهما جميعا والتغيير في النظر إلى الوحي والإلهام، ترك الاعتقاد بأن كل حرف من حروف القرآن وحي من الله، والتقريب بين العام والخاص العارض والمستقل، وهذا التمييز لا يحصل إلا بقوة الأخلاق وعليهم أن يفكروا في أن تعاليم الرسول معظمها وإن كان قد أفاد في زمنه، ولا يناسب الظروف الحالية وأيضا كان علمه جزئيا وقد يخطئ، وبالإضافة إلى أن قوة الأخلاق يمكن تعلمها كقوة الذهن، ولذلك الخلق الذي كان فاضلا في القرن السابع الميلادي قد يتحول إلى خلق دني في القرن التاسع عشر ويعتبر ضربا وهلاكا للمجتمع.

فقد قال رسول الإسلام (صلى الله عله وسلم): إذا أمرتكم بشيء من الدين فاقبلوه وإذا أمرتكم بشيء من الدنيا فإنما أنا بشر.

وكان يدرك جيدا أنه سيأتي زمان يحتاج أحكامه الجزئية إلى إعادة النظر فيه، وقال رسول الإسلام أيضا: "أنتم في زمن إذا تركتم معشار ما أمرتكم هلكتم، ولكن سيأتي زمان لو عمل الناس فيه بمعشار ما أمرتم يغفر الله لهم" اهـ (١).

وعلق جراغ علي على هذه الشبهة الطويلة العريضة بقوله: "إن الإسلام من حيث الدين منفصل عن الدولة والحضارة، وليس للإسلام أي ارتباط بسياسة المسلمين وحضارتهم، وإن كان المسلمون قد ربطوا المدنية بالقرآن كما فعل اليهود والنصارى الذين خلطوا بين الأناجيل، ولكن هذا ليس معضلة لا تنحلّ حتى نقضي على الدين والحضارة القرآنيين أو تحتاج إلى تغيير إلى الوحي والإلهام" اهـ (٢).


(١) انتخاب القرآن لـ تروب، تركي مشرقي سي ريز: لندن ١٨٧٩ م، رقم ٧ ص: ٩٥، نقلا عن أعظم الكلام ١/ ٣١ - ٣٢.
(٢) أعظم الكلام لجراغ علي: ١/ ٣٣.