للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"قد ثبت بضرورة المشاهدة أن محل الحياة وعنصرها، ومعدنها وموضعها إنما هو هنالك من حيث جاءت النفوس الحية الناقصة بما في طبعها من محاورة هذه الأجساد، والتثبت بها عن كمال ما خُصَّ بالحياة الدائمة ولم يشن ولا نقص فضلُه وصفاؤه بمجاورة الأجساد الكدرة المملؤة آفاتٍ ودرنًا وعيوبًا، فصح أن العلو الصافي في محل الأحياء الفاضلين السالمين من كل رذيلة ومن كل نقص، ومن كل مزاج فاسد، المحبُوِّين بكل فضيلة في الخلق.

وهذه صفة الملائكة عليهم السلام، وصح بهذا أن على قدر سعة ذلك المكان يكون كثرة من فيه من أهله وعُمَّاره، وأنه لا نسبة لما في هذا المحل الضيق والنطفة الكدرة (الكدراء) مما هنالك، كما لا نسبة بمقدار هذا المكان من ذلك، بهذا أصبحت النبوة، وهكذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن كثرة الملائكة في الأخبار المسندة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، وبهذا وجب أن يكونوا هم الرسل والوسائط بين الأول تعالى الذي خصهم بالنبوة والرسالة وتعليم العلوم، وبين إنقاذ النفوس من هلكة" اهـ (١).


(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم ١/ ١٤٧.