للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم تكن بصيغة الطلب الصريح لاستشعاره أنه مسيء ظالم وهو الذي أدخل الضر على نفسه، فناسب حاله أن يذكر ما يرفع سببه من الاعتراف بظلمه (١) بدون أن يصرح بطلبه. فهذه الأنواع كل منها أبلغ من الآخر من جهة، ففي حال الخبر بوصف الحاجة والافتقار، يكون من السؤال بالحال، وهو أبلغ من جهة العلم والبيان، ومن جهة حسن الأدب في السؤال، فقول القائل لمن يعظمه ويرغب إليه أنا جائع، أنا مريض فيه حسن أدب في السؤال، وفيه إظهار حاله وإخباره على وجه الذل والافتقار المتضمن لسؤال الحال.

وأما قوله أطعمني وداوني ونحو ذلك مما هو بصيغة الطلب، طلب جازم من المسؤول، ففيه الرغبة التامة والسؤال المحض، بصيغة الطلب، وهذا أظهر من جهة القصد، والإرادة فلهذا كان غالب الأدعية من هذا النوع الذي هو الطلب الصريح، لأن السائل يتصور مقصوده ومراده فيطلبه، ويسأله، فهو سؤال بالمطابقة والقصد الأول، وتصريح به باللفظ، وإن لم يكن فيه وصف لحال السائل والمسؤول (٢).

والأكمل المطلق ما كان جامعًا بين الأنواع كلها من وصف حال السائل ووصف حال المسؤول، ثم الطلب الصريح، فإنه يتضمن الخبر والعلم المقتضي للسؤال والإجابة، ويتضمن القصد والطلب الذي هو نفس السؤال، فيتضمن السؤال والمقتضي له والإجابة (٣).

قال ابن القيم: "إن الدعاء الذي يتقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه، كان أبلغ في الإجابة وأفضل، فإنه يكون قد


(١) الفتاوى: ١٠/ ٢٤٨.
(٢) يراجع الفتاوى: ١٠/ ٢٤٦.
(٣) الفتاوى: ١٠/ ٢٤٦، وجلاء الأفهام: ٧٩، والوابل الصيب: ١٨٣، وإتحاف السادة المتقين: ٥/ ٤٢، والأزهية ص: ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>