للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توسل إلى المدعو بصفات كماله وإحسانه، وفضله، وعَرَّض بل صرح بشدة حاجته وضرورته، وفقره ومسكنته، فهذا المقتضى منه، وأوصاف المسؤول مقتضى من الله، فاجتمع المقتضى من السائل، والمقتضى من المسؤول في الدعاء، وكان أبلغ وألطف موقعًا، وأتم معرفة وعبودية، وأنت ترى في الشاهد -والله المثل الأعلى- أن الرجل إذا توسل إلى من يريد معروفه بكرمه وجوده، وبره، وذكر حاجته هو، وفقره، ومسكنته، كان أعطف لقلب المسؤول، وأقرب لقضاء حاجته، فإذا قال له: أنت جودك قد سارت به الركبان، وفضلك كالشمس لا تنكر ونحو ذلك، وقد بلغت بي الحاجة والضرورة مبلغًا لا صبر معه ونحو ذلك كان أبلغ في قضاء حاجته من أن يقول ابتداء: أعطني كذا وكذا" (١).

وهكذا كانت عامة أدعية النبي فهي في الغالب تجمع هذه الأنواع كلها فلهذا ينبغي للعاقل أن لا يعدل عنها إلى غيرها، وذلك لأنه أعطي جوامع الكلم فلا يمكن لغيره أن يأتي بمثل أدعيته .

مثال ذلك: قوله لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لما قال له: علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: "قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" (٢) فقد جمع في هذا الدعاء هذه الصيغ كلها من وصف حال السائل بالظلم، ووصف الله بالتفرد بالمغفرة ثم الطلب للمغفرة والرحمة.

قال شيخ الإسلام : فهذا فيه وصف العبد لحال نفسه المقتضي حاجته إلى المغفرة، وفيه وصف ربه الذي يوجب أنه لا يقدر على هذا المطلوب غيره، وفيه التصريح بسؤال العبد لمطلوبه، وفيه بيان


(١) الوابل الصيب: ١٨٥.
(٢) أخرجه البخاري: ٢٢/ ٣١٧ رقم ٨٣٤، ومسلم: ٤/ ٢٠٧٨ رقم ٢٧٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>